لا يمنع القضاء إذا كان المقضى له معلوما لان المقضى له إذا كان معلوما يمكن رفع الجهالة التي من جانب المقضى بالقسمة والتوزيع وإذا كان مجهولا لا يمكن فان حلف رجلا ن على عبدين كل واحد منهما لأحدهما فقال أحدهما لعبده إن كان زيد قد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر وقال الآخر لعبده ان لم يكن زيد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم ولا يدرى أدخل الدار أم لم يدخل لم يعتق واحد من العبدين لان ههنا المقضى له وعليه كل واحد منهما مجهول ولا وجه للقضاء عند تمكن الجهالة في الطرفين وفى الفصل الأول المقضى له بالعتق متيقن معلوم والقضاء في مثله جائز كمن أعتق واحدة من جواريه العشر ثم جهلها وعلى هذا قال أبو يوسف في عبدين بين رجلين قال أحدهما لاحد العبدين أنت حر ان لم يدخل فلأن هذه الدار اليوم وقال الآخر للعبد الآخر ان دخل فلأن هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وتصادقا على أنهما لا يعلمان دخل أو لم يدخل فان هذين العبدين يعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته بين الموليين نصفين وقال محمد قياس قول أبي حنيفة أن يسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بينهما نصفين وجه قول أبى يوسف ان نصف أحد العبدين غير عين قد عتق بيقين لان فلانا لا يخلو من أن يكون دخل الدار اليوم أو لم يكن دخل فكان نصف أحدهما حرا بيقين وليس أحدهما بذلك أولى من الآخر فيقسم نصف الحرية بينهما فيعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى كل واحد منهما في ثلاثة أرباع قيمته للتخريج إلى العتق كما في المسألة المتقدمة الا ان هناك العبد واحد فيعتق منه نصفه ويسعى في النصف الباقي وههنا عبدان فيعتق نصف أحدهما غير عين ويقسم بين الموليين فيعتق على كل واحد منهما الربع ويسعى كل واحد منهما في الباقي وذلك ثلاثة أرباع قيمته وجه قياس قول أبي حنيفة أن المقضى له وعليه مجهولان ولا سبيل إلى القضاء بالحرية مع جهالتهما فيسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بخلاف المسألة المتقدمة لان ثمة المقضى له غير مجهول ومن هذا النوع ما ذكره ابن سماعة عن أبي يوسف في عبد بين رجلين زعم أحدهما أن صاحبه أعتقه منذ سنة وانه هو أعتقه اليوم وقال شريكه لم أعتقه وقد أعتقت أنت اليوم فاضمن لي نصف القيمة لعتقك فلا ضمان على الذي زعم أن صاحبه أعتقه منذ سنة لان قوله أنا أعتقته اليوم ليس باعتاق بل هو اقرار بالعتق وانه حصل بعد اقراره على شريكه بالعتق فلم يصح وكذا لو قال أنا أعتقته أمس وأعتقه صاحبي منذ سنة وان لم يقر باعتاق نفسه لكن قامت عليه بينة انه أعتقه أمس فهو ضامن لشريكه لظهور الاعتاق منه بالبينة فدعواه على شريكه العتق المتقدم لا يمنع ظهور الاعتاق منه بالبينة ويمنع ظهوره باقراره والله عز وجل الموفق (فصل) وأما بيان حكم الاعتاق وبيان وقت ثبوت حكمه فللاعتاق أحكام بعضها أصلى وبعضها من التوابع أما الحكم الأصلي للاعتاق فهو ثبوت العتق لان الاعتاق اثبات العتق والعتق في اللغة عبارة عن القوة يقال عتق الطائر إذا قوى فطار عن وكره وفى عرف الشرع اسم لقوة حكمية للذات يدفع بها يد الاستيلاء والتملك عن نفسه ولهذا كان مقابله وهو الرق عبارة عن الضعف في اللغة يقال ثوب رقيق أي ضعيف وفى متعارض الشرع ويراد به الضعف الحكمي الذي يصير به الآدمي محلا للتملك وعلى عبارة التحرير الحكم الأصلي للتحرير هو ثبوت الحرية لان التحرير هو اثبات الحرية وهي الخلوص يقال طين حر أي خالص وأرض حرة إذا لم يكن عليها خراج وفى عرف الشرع يراد بها الخلوص عن الملك والرق وهذا الحكم يعم جميع أنواع الاعتاق غير أنه إن كان تنجيزا ثبت هذا الحكم للحال وإن كان تعليقا بشرط أو إضافة إلى وقت يثبت بعد موجود الشرط والوقت ويكون المحل قبل ذلك على حكم ملك المالك في جميع الأحكام الا في التعليق بشرط الموت المطلق وهو التدبير عندنا وكذا الاستيلاد ثم هذا الحكم قد يثبت في جميع ما أضيف إليه وقد يثبت في بعض ما أضيف إليه وجملة الكلام فيه أن الاعتاق لا يخلو اما إن كان في الصحة واما إن كان في المرض فإن كان في الصحة عتق كله سواء كان له مال آخر أو لم يكن وسواء كان عليه دين أو لم يكن لان حق الورثة أو الغريم لا يتعلق بالمال حالة الصحة فالاعتاق صادف خالص ملكه
(٩٨)