للكفاية وقد حصلت الكفاية فيما مضى فلا يبقى الواجب كما لو استغنى بماله فاما وجوب هذه النفقة فليس للكفاية وإن كانت مقدرة بالكفاية ألا ترى انها تجب مع الاستغناء بأن كانت موسرة وليس في مضي الزمان الا الاستغناء فلا يمنع بقاء الواجب ولو أنفقت من مالها بعد الفرض أو التراضي لها انه ترجع على الزوج لان النفقة صارت دينا عليه وكذلك إذا استدانت على الزوج لما قلنا سواء كانت استدانتها باذن القاضي أو بغير اذنه غير أنها إن كانت بغير اذن القاضي كانت المطالبة عليها خاصة ولم يكن للغريم ان يطالب الزوج بما استدانت وإن كانت باذن القاضي لها ان تحيل الغريم على الزوج فيطالبه بالدين وهو فائدة اذن القاضي بالاستدانة ولو فرض الحاكم النفقة على الزوج فامتنع من دفعها وهو موسر وطلبت المرأة حبسه لها ان تحبسه لان النفقة لما صارت دينا عليه بالقضاء صارت كسائر الديون الا انه لا ينبغي ان يحبسه في أول مرة تقدم إليه بل يؤخر الحبس إلى مجلسين أو ثلاثة يعظه في كل مجلس يقدم إليه فإن لم يدفع حبسه حينئذ كما في سائر الديون لما نذكر في كتاب الحبس إن شاء الله تعالى وإذا حبس لأجل النفقة فما كان من جنس النفقة سلمه القاضي إليها بغير رضاه بالاجماع وما كان من خلاف الجنس لا يبيع عليه شيئا من ذلك ولكن يأمره أن يبيع بنفسه وكذا في سائر الديون في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يبيع عليه وهي مسألة الحجر على الحر العاقل البالغ نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى فان ادعى الزوج انه قد أعطاها النفقة وأنكرت فالقول قولها مع يمينها لان الزوج يدعى قضاء دين عليه وهي منكرة فيكون القول قولها مع يمينها كما في سائر الديون ولو أعطاها الزوج مالا فاختلفا فقال الزوج هو من المهر وقالت هي هو من النفقة فالقول قول الزوج الا ان تقيم المرأة البينة لان التمليك منه فكان هو أعرف بجهة التمليك كما لو بعث إليها شيئا فقالت هو هدية وقال هو من المهر ان القول فيه قوله الا في الطعام الذي يؤكل لما قلنا كذا هذا ولو كان للزوج عليها دين فاحتسبت عن نفقتها جاز لكن برضا الزوج لان التقاص إنما يقع بين الدينين المتماثلين ألا ترى انه لا يقع بين الجيد والردئ ودين الزوج أقوى بدليل انه لا يسقط بالموت ودين النفقة يسقط بالموت فأشبه الجيد بالردئ فلابد من المقاصة بخلاف غيرها من الديون والله أعلم.
(فصل) وأما بيان ما يسقطها بعد وجوبها وصيرورتها دينا في ذمة الزوج فالمسقط لها بعد الوجوب قيل صيرورتها دينا في الذمة واحد وهو مضى الزمان من غير قرض القاضي والتراضي وأما المسقط لها بعد صيرورتها دينا في الذمة فأمور منها الابراء عن النفقة الماضية لأنها لما صارت دينا في ذمته كان الابراء اسقاط لدين واجب فيصح كما في سائر الديون ولو أبرأته عما يستقبل من النفقة المفروضة لم يصح الابراء لأنها تجب شيئا فشيئا على حسب حدوث الزمان فكان الابراء منها اسقاط الواجب قبل الوجوب وقبل وجود سبب الوجوب أيضا وهو حق الحبس لأنه لا يتجدد بتجدد الزمان فلم يصح وكذا يصح هبة النفقة الماضية لان هبة الدين يكون ابراء عنه فيكون اسقاط دين واجب فيصح ولا تصح هبة ما يستقبل لما قلنا ومنها موت أحد الزوجين حتى لو مات الرجل قبل اعطاء النفقة لم يكن للمرأة أن تأخذها من ماله ولو ماتت المرأة لم يكن لورثتها أن يأخذوا لما ذكرنا انه تجرى مجرى الصلة والصلة تبطل بالموت قبل القبض كالهبة فإن كان الزوج أسلفها نفقتها وكسوتها ثم مات قبل مضى ذلك الوقت لم ترجع ورثته عليها بشئ في قول أبي حنيفة وأبى يوسف سواء كان قائما أو مستهلكا وكذلك لو ماتت هي لم يرجع الزوج في تركتها عندهما وقال محمد لها حصة ما مضى من النفقة والكسوة ويجب رد الباقي إن كان قائما وإن كان هالكا فلا شئ بالاجماع وروى ابن رستم عن محمد انها إن كانت قبضت نفقة شهر فما دونه لم يرجع عليها بشئ وإن كان المفروض أكثر من ذلك يرفع عنها نفقة شهر وردت ما بقي وجه هذه الرواية ان الشهر فما دونه في حكم القليل فصار كنفقة الحال وما زاد عليه في حكم الكثير فيثبت به الرجوع كالدين وجه ظاهر قول محمد ان هذه النفقة تشبه الاعواض فتسلم لها بقدر ما سلم للزوج من المعوض كالإجارة إذا عجل المستأجر الأجرة ثم مات أحدهما