بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٤ - الصفحة ٧
توفيقا بين الدلائل لان دلائل الله عز وجل لا تتناقض وأما الآية الثانية فالفصال في عامين لا ينفي الفصال في أكثر من عامين كما لا ينفيه في أقل من عامين عن تراض منهما وتشاور فكان هذا استدلالا بالسكوت كقوله عز وجل فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا الآية أنه لا يمنع جواز الكتابة إذا لم يعلم فيهم خيرا وأما الآية الثالثة فتحتمل ما ذكرتم ان المراد من الحمل هو الحمل بالبطن والفصال هو الفطام فيقتضى أن تكون مدة الرضاع سنتين ومدة الحمل ستة أشهر كما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وتحتمل أن يكون المراد من الحمل الحمل باليد والحجر فيقتضى أن يكون الثلاثون مدة الحمل والفصال جميعا لأنه يحمل باليد والحجر في هذه المدة غالبا لا أن يكون بعض هذه مدة الحمل وبعضها مدة الفصال لان إضافة السنتين إلى الوقت لا تقتضي قسمة الوقت عليهما بل تقتضي أن يكون جميع ذلك الوقت مدة لكل واحد منهما كقول القائل صومك وزكاتك في شهر رمضان هذا لا يقتضى قسمة الشهر عليهما بل يقتضى كون الشهر كله وقتا لكل واحد منهما فيقتضى أن يكون ثلاثون شهرا مدة الرضاع كما هو مذهب أبي حنيفة فلا يكون حجة مع الاحتمال على أنه ان وقع التعارض بين الآيات ظاهرا لكن ما تلونا حاظر وما تلوتم مبيح والعمل بالحاظر أولى احتياطا وأما الحديث فالمشهور لا رضاع بعد فصال ونحن نقول بموجبه فجائز أن يكون أصل الحديث هذا وأن من ذكر الحولين حمله على المعنى عنده ولو ثبت هذا اللفظ فيحتمل أن يكون معناه الارضاع على الأب بعد الحولين أي في حق وجوب الاجر عليه على ما ذكرنا من تأويل الآية أو يحمل على هذا عملا بالدلائل كلها والله الموفق ثم الرضاع يحرم في المدة على اختلافهم فيها سواء فطم في المدة أو لم يفطم هذا جواب ظاهر الرواية عن أصحابنا حتى لو فصل الرضيع في مدة الرضاع ثم سقى بعد ذلك في المدة كان ذلك رضاعا محرما ولا يعتبر الفطام وإنما يعتبر الوقت فيحرم عند أبي حنيفة ما كان في السنتين ونصف وعندهما ما كان في السنتين لان الرضاع في وقته عرف محرما في الشرع لما ذكرنا من الدلائل من غير فصل بين ما إذا أفطم أو لم يفطم وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال إذا فطم في السنتين حتى استغنى بالفطام ثم ارتضع بعد ذلك في السنتين أو الثلاثين شهرا لم يكن ذلك رضاعا لأنه لا رضاع بعد الفطام وان هي فطمته فأكل أكلا ضعيفا لا يستغنى به عن الرضاع ثم عاد فأرضع كما يرضع أولا في الثلاثين شهرا فهو رضاع محرم كما يحرم رضاع الصغير الذي لم يفطم ويحتمل أن تكون رواية الحسن تفسيرا لظاهر قول أصحابنا وهو ان الرضاع في المدة بعد الفطام إنما يكون رضاعا محرما إذا لم يكن الفطام تاما بأن كان لا يستغنى بالطعام عن الرضاع فان استغنى لا يحرم بالاجماع ويحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لا رضاع بعد الفصال على الفصال المتعارف المعتاد وهو الفصال التام المغنى عن الرضاع ويستوى في الرضاع المحرم قليله وكثيره عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وروى عن عبد الله بن الزبير وعائشة رضي الله عنهما ان قليل الرضاع لا يحرم وبه أخذ الشافعي فقال لا يحرم الا خمس رضعات متفرقات واحتج بما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان فيما نزل عشر رضعات يحرم ثم صرن إلى خمس فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحرم المصة والمصتان ولا الاملاجة والاملاجتان ولان الحرمة بالرضاع لكونه منبتا للحم منشرا للعظم وهذا المعني لا يحصل بالقليل منه فلا يكون القليل محرما ولنا قوله عز وجل وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة مطلقا عن القدر وروى عن علي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا قليل الرضاع وكثيره سواء وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال الرضعة الواحدة تحرم وروى أنه لما بلغه أن عبد الله بن الزبير يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان فقال قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير وتلي قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وروى أنه لما بلغه أن عائشة رضي الله عنها تقول لا تحرم المصة والمصتان فقال حكم الله تعالى أولى وخير من حكمها وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قيل إنه لم يثبت عنها وهو الظاهر فإنه روى أنها قالت توفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما يتلى في القرآن فما إلى نسخه ولا نسخ بعد وفاة لنبي صلى الله عليه وسلم ولا
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 في الرضاع واحكامه. 2
2 في النفقة وأنواعها. 15
3 في أسباب وجوب نفقة الزوجة. 16
4 في شرائط وجوب نفقة الزوجة. 18
5 في بيان مقدار الواجب من النفقة. 23
6 في بيان كيفية وجوب هذه النفقة. 25
7 في بيان مسقطات النفقة بعد وجوبها. 29
8 في نفقة الأقارب. 30
9 في بيان أسباب وجوب نفقة الأقارب. 31
10 في شرائط وجوب نفقة الأقارب. 34
11 في بيان كيفية وجوب نفقة الأقارب ومسقطاتها. 38
12 في نفقة الرقيق. 38
13 في بيان أسباب وجوب نفقة الرقيق وشرايط وجوبها. 39
14 في بيان مقدار الواجب من نفقة الرقيق وكيفية وجوبها. 40
15 كتاب الحضانة. 40
16 في بيان من له الحضانة. 41
17 في بيان مكان الحضانة. 44
18 كتاب الاعتاق في بيان الاعتاق وأنواعه 45
19 في أركان الاعتاق. 46
20 في بيان شرائط أركان الاعتاق. 55
21 في بيان صفة الاعتاق. 86
22 في بيان احكام الاعتاق. 98
23 في بيان ما يظهر به حكم الاعتاق. 110
24 كتاب التدبير في التدبير وبيان أركانه. 112
25 في بيان شرائط أركان التدبير. 115
26 في بيان صفة التدبير. 116
27 في بيان احكام التدبير. 120
28 في بيان ما يظهر به التدبير. 123
29 كتاب الاستيلاد في الاستيلاد وتفسيره لفة وعرفا. 123
30 في بيان سبب الاستيلاد. 124
31 في بيان صفة الاستيلاد واحكامه 129
32 في بيان ما يظهر به الاستيلاد. 133
33 كتاب المكاتب في المكاتبة وجوازها. 133
34 في بيان أركان المكاتبة وشرائطها. 134
35 في بيان الذي يرجع إلى المكاتبة. 136
36 في بيان الذي يرجع إلى بدل الكتابة. 137
37 في بيان الذي يرجع إلى نفس الركن من شرائط الصحة. 141
38 في بيان ما يملك المكاتب من التصرفات. 143
39 في بيان صفة المكاتبة. 147
40 في بيان احكام المكاتبة وما يملكه المولى من التصرف في المكاتب. 150
41 في بيان ما تنفسخ به الكتابة. 159
42 كتاب الولإ في الولاء وأنواعه وبيان ولاء العتاقة. 159
43 في بيان ولاء المولاة. 170
44 في بيان ما يظهر به الولاء. 173
45 كتاب الإجارة في الإجارة وبيان جوازها. 173
46 في بيان أركان الإجارة ومعناها. 174
47 في بيان شرائط الأركان. 176
48 في بيان صفة الإجارة. 201
49 في بيان أحكام الإجارة. 201
50 في بيان احكام إختلاف المتعاقدين. 218
51 في بيان ما ينتهي به عقد الإجارة. 222