وجه المذكور في الأصل والجامع الصغير أن المنافع في الإجارة لا تملك جملة واحدة بل شيئا فشيئا فكان اعتراض العذر فيها بمنزلة عيب حدث قبل القبض والعيب الحادث قبل القبض في باب البيع يوجب للعاقد حق الفسخ ولا يقف ذلك على القضاء والرضا كذا هذا ومن مشايخنا من فصل فيه تفصيلا فقال إن كان العذر ظاهرا لا حاجة إلى القضاء وإن كان خفيا كالدين يشترط القضاء ليظهر العذر فيه ويزول الاشتباه وهذا حسن وينبغي أن يبيع المستأجر ثم يفسخ الإجارة (فصل) وأما صفة الإجارة فالإجارة عقد لازم إذا وقعت صحيحة عرية عن خيار الشرط والعيب الرؤية عند عامة العلماء فلا تفسخ من غير عذر وقال شريح انها غير لازمة تفسخ بلا عذر لأنها إباحة المنفعة فأشبهت الإعارة ولنا انها تمليك المنفعة بعوض فأشبهت البيع وقال سبحانه وتعالى أوفوا بالعقود الفسخ ليس من الايفاء بالعقد وقال عمر ورضي الله عنه البيع صفقة أو خيار جعل البيع نوعين نوعا لا خيار فيه ونوعا فيه خيار والا جارة بيع فيجب أن تكون نوعين نوعا ليس فيه خيار الفسخ ونوعا فيه خيار الفسخ ولأنها معاوضة عقدت مطلقة فلا ينفرد أحد العاقدين فيها بالفسخ الا عند العجز عن المضي في موجب العقد من غير تحمل ضرر كالبيع (فصل) وأما حكم الإجارة فالإجارة لا تخلو اما إن كانت صحيحة واما إن كانت فاسدة واما إن كانت باطلة أما الصحيحة فلها أحكام بعضها أصلى وبعضها من التوابع أما الحكم الأصلي فالكلام فيه في ثلاث فمواضع في بيان أصل الحكم وفي بيان وقت ثبوته وفي بيان كيفية ثبوته أما الأول فهو ثبوت الملك في المنفعة للمستأجر وثبوت الملك في الأجرة المسماة للآجر لأنها عقد معاوضة إذ هي بيع المنفعة والبيع عقد معاوضة فيقتضى ثبوت الملك في العوضين وأما وقت ثبوته فالعقد لا يخلو اما إن كان عقد مطلقا عن شرط تعجيل الأجرة واما ان شرط فيه تعجيل الأجرة أو تأجيلها فان عقد مطلقا فالحكم يثبت في العوضين في وقت واحد فيثبت الملك للمؤاجر في الأجرة وقت ثبوت الملك للمستأجر في المنفعة وهذا قول أصحابنا وقال الشافعي حكم الإجارة المطلقة هو ثبوت الملك في العوضين عقيب العقد بلا فصل وأما كيفية ثبوت حكم العقد فعندنا يثبت شيئا فشيئا على حسب حدوث محله وهو المنفعة لأنها تحدث شيئا فشيئا وعنده تجعل المدة موجودة تقديرا كأنها أعيان قائمة ويثبت الحكم فيها في الحال وعلى هذا يبنى ان الأجرة لا تملك بنفس العقد المطلق عندنا وعنده تملك (وجه) قوله إن الإجارة عقد معاوضة وقد وجدت مطلقة والمعاوضة المطلقة تقتضي ثبوت الملك في العوضين عقيب العقد كالبيع الا أن الملك لابد له من محل يثبت فيه منافع المدة معلومة في الحال حقيقة فتجعل موجودة حكما تصحيحا للعقد وقد يجعل المعدوم حقيقة موجودا تقديرا عند تحقق الحاجة والضرورة ولنا ان المعاوضة المطلقة إذا لم يثبت الملك فيها في أحد العوضين لا يثبت في العوض الآخر إذ لو ثبت لا يكون معاوضة حقيقة لأنه لا يقابله عوض ولا المساواة في العقود المطلقة مطلوب العاقدين ولا مساواة إذ لم يثبت الملك في أحد العوضين والملك لم يثبت في أحد العوضين وهو منافع المدة لأنها معلومة حقيقة فلا تثبت في الأجرة في الحال تحقيقا للمعاوضة المطلقة في أي وقت تثبت فقد كان أبو حنيفة أولا يقول إن الأجرة لا تجب الا بعد مضى المدة مثل استئجار الأرض سنة أو عشر سنين وهو قول زفر ثم رجع هنا فقال تجب يوما فيوما وفى الإجارة على المسافة مثل ان استأجر بعيرا إلى مكة ذاهبا وجائيا كان قوله الأول انه لا يلزمه تسليم الاجر حتى يعود وهو قول زفر ثم رجع وقال يسلم حالا فحالا وذكر الكرخي انه يسلم أجرة كل مرحلة إذا انتهى إليها وهو قول أبى يوسف ومحمد وجه قول أبي حنيفة الأول ان منافع المدة أو المسافة من حيث إنها معقد عليها شئ واحد فما لم يستوفها كلها لا يجب شئ من بدلها كمن استأجر خياطا يخيط ثوبا فحاط بعضه انه لا يستحق الأجرة حتى يفرغ منه وكذا القصار والصباغ (وجه) وقوله الثاني وهو المشهور انه ملك البدل وهو المنفعة وانها تحدث شيئا فشيئا على حسب حدوث الزمان فيملكها شيئا فشيئا على حسب حدوثها فكذا ما يقابلها فكان ينبغي أن يجب عليه تسليم الأجرة
(٢٠١)