أرأيت لو استأجره ليخرج له حمارا ميتا أما يجوز ذلك ويجوز الاستئجار على نقل الميت الكافر إلى المقبرة لأنه جيفة فيدفع أذيتها عن الناس كسائر الأنجاس وأما الاستئجار على نقله من بلد إلى بلد فقد قال محمد ابتلينا بمسألة ميت مات من المشركين فاستأجروا له من يحمله إلى موضع فيدفنه في غير الموضع الذي مات فيه أراد بذلك إذا استأجروا له من ينقله من بلد إلى بلد فقال أبو يوسف لا أجر له وقلت أنا إن كان الحمال الذي حمله يعلم أنه جيفة فلا أجر له وان لم يعلم فله الاجر وجه قول محمد ان الأجير إذا علم أنه جيفة فقد نقل ما لا يجوز له نقله فلا يستحق الاجر وإذا لم يعلم فقد غروه بالتسمية والغرور يوجب الضمان ولأبي يوسف ان الأصل أن لا يجوز نقل الجيفة وإنما رخص في نقلها للضرورة وهي ضرورة رفع أذيتها ولا ضرورة في النقل من بلد إلى بلد فبقي على أصل الحرمة كنقل الميتة من بلد إلى بدل ومن استأجر حملا يحمل له الخمر فله الاجر في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا أجر له كذا ذكر في الأصل وذكر في الجامع الصغير أنه يطيب له الاجر في قول أبي حنيفة وعندهما يكره لهما أن هذه إجارة على المعصية لان حمل الخمر معصية لكونه إعانة على المعصية وقد قال الله عز وجل ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ولهذا لعن الله تعالى عشرة منهم حاملها والمحمول إليه ولأبي حنيفة ان نفس الحمل ليس بمعصية بدليل ان حملها للاراقة أو التخليل مباح وكذا ليس بسبب للمعصية وهو الشرب لان ذلك يحصل بفعل فاعل مختار وليس الحمل من ضرورات الشرب فكانت سببا محضا فلا حكم له كعصر العنب وقطفه والحديث محمول على الحمل بنية الشرب وبه نقول إن ذلك معصية ويكره أكل أجرته ولا تجوز إجارة الإماء للزنا لأنها إجارة على المعصية وقيل فيه نزل قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا وروى عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم انه نهى عن مهر البغي وهو أجر الزانية على الزنا وتجوز الإجارة للحجامة وأخذ الأجرة عليها لان الحجامة أمر مباح وما ورد من النهى عن كسب الحجام في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من السحت عسب التيس وكسب الحجام فهو محمول على الكراهة لدناءة الفعل والدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك أتاه رجل من الأنصار فقال إن لي حجاما وناضحا فأعلف ناضحي من كسبه قال صلى الله عليه وسلم نعم وروى أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام دينارا ولا يجوز استئجار الرجل أباه ليخدمه لأنه مأمور بتعظيم أبيه وفى الاستخدام استخفاف به فكان حراما فكان هذا استئجارا على المعصية وسواء كان الأب حرا أو عبدا استأجره ابنه من مولاه ليخدمه لأنه لا يجوز استئجار الأب حرا كان أو عبدا وسواء كان الأب مسلما أو ذميا لان تعظيم الأب واجب وان اختلف الدين قال الله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وهذا في الأبوين الكافرين لأنه معطوف على قوله عز وجل وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها وان شئت أفردت لجنس هذه المسائل شرطا وخرجتها عليه فقلت ومنها أن تكون المنفعة مباحة الاستيفاء فإن كانت محظورة الاستيفاء لم تجز الإجارة لكن في هذا شبهة التداخل في الشروط والصناعة تمنع من ذلك وعلى هذا يخرج ما إذا استأجر رجلا على العمل في شئ هو فيه شريكه نحو ما إذا كان بين اثنين طعام فاستأجر أحدهما صاحبه على أن يحمل نصيبه إلى مكان معلوم والطعام غير مقسوم فحمل الطعام كله أو استأجر غلام صاحبه أو دابة صاحبه على ذلك أنه لا تجوز هذه الإجارة عند أصحابنا وإذا حمل لا اجر له وعند الشافعي هذه الإجارة جائزة وله الاجر إذا حمل وجه قوله إن الاجر تابع نصف منفعة الحمل الشائعة من شريكه لان الإجارة بيع المنفعة فتصح في الشائع كبيع العين وهذا لان عمله وهو الحمل وان صادف محلا مشتركا وهو لا يستحق الأجرة بالعمل في نصيب نفسه فيستحقها بالعمل فنصيب شريكه ولنا انه اجر ما لا يقدر على ايفائه لتعذر تسليم الشائع بنفسه فلم يكن المقدور عليه مقدور والاستيفاء وإنما لا يجب الاجر أصلا لأنه لا يتصور استيفاء المعقود عليه إذ لا يتصور حمل نصف الطعام تبايعا ووجوب أجر المثل يقف على استيفاء المعقود عليه ولم يوجد فلا يجب بخلاف ما إذا استأجر من رجل بيتا له ليضع فيه طعاما مشتركا بينهما أو سفينة أو جوالقا ان الإجارة جائزة لان التسليم ثمة يتحقق بدون الوضع
(١٩٠)