معنى المعاوضة المطلقة وتحقيق المساواة التي هي مطلوب العاقدين ومعنى المعاوضة والمساواة لا يتحقق الا في ثبوت الملك فيهما في زمان واحد فإذا شرط التعجيل فلم توجد المعاوضة المطلقة بل المقيدة بشرط التعجيل فيجب اعتبار شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم فيثبت الملك في العوض قبل ثبوته في المعوض ولهذا صح التعجيل في ثمن المبيع وإن كان اطلاق العقد يقتضى الحلول كذا هذا وللمؤجر حبس ما وقع عليه العقد حتى يستوفى الأجرة كما ذكره الكرخي في جامعه لان المنافع في باب الإجارة كالمبيع في باب البيع والأجرة في الإجارات كالثمن في البياعات وللبائع حبس المبيع إلى أن يستوفى الثمن فكذا للمؤاجر حبس المنافع إلى أن يستوفى الأجرة المعجلة فان قيل لا فائدة في هذا الحبس لان الإجارة إذا وقعت على مدة فإذا حبس المستأجر مدة بطلت الإجارة في تلك المدة ولا شئ فيها من الأجرة فلم يكن الحبس مفيدا فالجواب ان الحبس مفيد لأنه يحبس ويطالب بالأجرة فان عجل والا فسخ العقد فكان في الحبس فائدة على أن هذا لا يلزم في الإجارة على المسافة بأن أجر دابة مسافة معلومة لأن العقد ههنا لا يبطل بالحبس وكذا هذا ويبطل بيع ما يتسارع إليه الفساد كالسمك الطري ونحوه إذ للبائع حبسه حتى يستوفى الثمن وإن كان يؤدى إلى ابطال البيع بهلاك المبيع قبل القبض وان وقع الشرط في عقد الإجارة على أن لا يسلم المستأجر الاجر الا بعد انقضاء مدة الإجارة فهو جائز وأما على قول أبي حنيفة الأول فظاهر لان الأجرة لا تجب الا في آخر المدة فإذا شرط كان هذا شرطا مقررا مقتضى العقد فكان جائزا وأما على قوله الآخر فالأجرة وإن كانت تجب شيئا فشيئا فقد شرط تأجيل الأجرة والأجرة كالثمن فتحتمل التأجيل كالثمن أما إذا عجل الأجرة من غير شرط فلانه لما عجل الأجرة فقد غير مقتضى مطلق العقد وله هذه الولاية لان التأخير ثبت حقا له فيملك ابطاله بالتعجيل كما لو كان عليه دين مؤجل فعجله ولأن العقد سبب استحقاق الأجرة فالاستحقاق وان لم يثبت فقد انعقد سببه وتعجيل الحكم قبل الوجوب بعد وجود سبب الوجوب جائز كتعجيل الكفارة بعد الجرح قبل الموت وأما إذا استوفى المعقود عليه فلانه يملك المعوض فيملك المؤاجر العوض في مقابلته تحقيقا للمعاوضة المطلقة وتسوية بين العاقدين في حكم العقد المطلق وعلى هذا الأصل تبنى الإجارة المضافة إلى زمان في المستقبل بان قال أجرتك هذه الدار غدا أو رأس شهر كذا أو قال أجرتك هذه الدار سنة أولها غرة شهر رمضان انها جائزة في قول أصحابنا وعند الشافعي لا تجوز وجه البناء ان الأجرة بيع المنفعة وطريق جوازها عنده أن يجعل منافع المدة موجودة تقديرا عقيب العقد تصحيحا له إذ لا بد وأن يكون محل حكم العقد موجودا ليمكن اثبات حكمه فيه فجعلت المنافع موجدة حكما كأنها أعيان قائمة بنفسها وإضافة البيع إلى عين ستوجد لا تصح كما في بيع الأعيان حقيقة وأما عندنا فالعقد ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المعقود عليه شيئا فشيئا وهو المنفعة فكان العقد مضافا إلى حين وجود المنفعة من طريق الدلالة فالتنصيص على الإضافة يكون مقررا مقتضى العقد الا أنا جوزنا الإضافة في الإجارة دون البيع للضرورة لان المنفعة حال وجودها لا يمكن انشاء العقد عليها فدعت الضرورة إلى الإضافة ولا ضرورة في بيع العين لامكان ايقاع العقد عليها بعد وجودها لكونها محتملة للبقاء فلا ضرورة إلى الإضافة وطريقنا أولى لان جعل المعدوم موجودا تقدير للمحال وتقدير المحال محال ولا إحالة في الإضافة إلى زمان في المستقبل فان كثيرا من التصرفات تصح مضافة إلى المستقبل كالطلاق والعتاق ونحوهما فكان الصحيح ما قلنا وأما الأحكام التي هي من التوابع فكثيرة بعضها يرجع إلى الآجر والمستأجر مما عليهما ولهما وبعضها يرجع إلى صفة المستأجر والمستأجر فيه أما الأول فجملة الكلام فيه ان عقد الإجارة لا يخلو اما ان شرط فيه تعجيل البدل أو تأجيله واما إن كان مطلقا عن شرط التعجيل والتأجيل فان شرط فيه تعجيل البدل فعلى المستأجر تعجيلها والابتداء بتسليمها سواء كان ما وقع عليه الإجارة شيئا ينتفع بعينه كالدار والدابة وعبد الخدمة أو كان صانعا أو عاملا ينتفع بصنعته أو عمله كالخياط والقصار والصياغ والإسكاف لأنهما لما شرطا تعجيل البدل لزم اعتبار شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم وملك
(٢٠٣)