هذين الوقتين لغير سبب. قلت: عبر بالكراهة وعبر غيره من متأخري الشيوخ بالمنع ابن حارث، والاتفاق على المنع إنما هو في غير أسير قرب للقتل بعد العصر فإنه اختلف في ركعتيه حينئذ، فروي الوليد بن مسلم عن مالك الجواز، وروى عنه ابن نافع المنع، وسمع ابن القاسم من ذكر بعد ركعة من العصر أنه صلاها شفعها لأنه لم يتعمد نفلا. ابن رشد: لأن المنع من النفل في الوقتين للذريعة خوف أن يوقع النفل بعد الغروب أو الطلوع، ولذا جاز أن يتنفل من لم يصل العصر بعد صلاة غيرها، ولو كان المنع لذات الوقت ما جاز. وكان الشيخ يصلي بعد العصر فقيل له في ذلك فقال: إنما أفعله يوم يفوتني معتادي من الصلاة بالنهار انتهى. والمراد بالشيخ ابن عرفة رحمه الله تعالى. وقال في باب من ذكر صلاة نسيها من المدونة: ويكره صلاة التطوع متى ترتفع الشمس، ابن ناجي: ظاهره أن الكراهة على بابها وتقدم بحثنا مع ابن عبد السلام في ذلك، وكذلك تكره الصلاة بعد العصر إلى الغروب، واختلف فيما بين الغروب وصلاة المغرب على ثلاثة أقوال، المشهور وقت نهي وقيل: لا واختاره ابن رشد لمن دخل المسجد إلا لمن كان فيه. وإذا فرعنا على المشهور فكان شيخنا رحمه الله يفتي بجواز الجلوس ولا يرجع الوقوف، وكان شيخنا أبو محمد الشبيبي يرجح وقوفه حتى تقام الصلاة للخروج من الخلاف انتهى. وبحثه مع ابن عبد السلام ذكره في باب صلاة الفجر ونصه: قال ابن عبد السلام: وظاهر قول ابن الحاجب: ومن أحرم في وقت نهي قطع يقتضي التحريم. قلت: ليس فيه دليل لأن من تلبس بمكروه ثم ذكر فإنه يؤمر بقطعه استحبابا لأن حقيقة المكروه ما في تركه الثواب. وقد ذكر ابن رشد في النافلة بعد صلاة الجمعة ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك مكروه يثاب بتركه ولا يأثم بفعله. فقول ابن الحاجب: يحتمل أن يكون على استحباب، ثم ورد علينا خليل فذكر مثل ما ذكرته انتهى والله تعالى أعلم. قال ابن رشد في كتاب الجامع من البيان: لا خلاف بين أهل العلم في أن الصلاة قد حلت بغروب الشمس إلا أن صلاة المغرب قد وجبت بغروب الشمس فلا ينبغي لاحد أن يصلي نافلة قبل صلاة المغرب، لان تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها أفضل عند من رأى وقت الاختيار لها يتسع إلى مغيب الشفق، وهو ظاهر قول مالك في موطئه. وقد قيل: إنه ليس لها إلا وقت واحد فلا يجوز أن تؤخر عنه إلا لعذر. واختلف فيمن كان في المسجد منتظرا للصلاة، هل له أن يتنفل فيما بين الأذان والإقامة؟ فقيل له ذلك على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك. وقيل:
ليس له ذلك وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية، وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر، وما ذكره المصنف من كراهة النافلة بعد العصر صرح به غير واحد وقوله: وجنازة وسجود تلاوة قبل إسفار واصفرار استدل بعضهم من قوله في المدونة:
ويسجدها قارئها بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم يسفر كصلاة الجنازة.
على أن الجنازة غير واجبة لقياسة سجود التلاوة عليها، وذلك أنه إنما يقاس على ما ليس