مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
يزال الله تعالى مقبلا على العبد وهو في الصلاة ما لم يلتفت أعرض عنه وأطلق المصنف هنا رحمه الله في كراهة الالتفات وقيد ذلك في فصل السهو بكونه لغير حاجة، وإن كان كلامه هناك ليس فيه التصريح بكراهته لكنه لما قرنه مع الأشياء المكروهة دل ذلك على أنه منها، فيحمل كلامه المطلق هنا على ما ذكره في فصل السهو. قال البراذعي في تهذيبه: ولا يلتفت المصلي فإن فعل لم يبطل ذلك صلاته. قال صاحب الطراز:
قوله: لا يلتفت لم يقله مالك في الكتاب ولا ابن القاسم وإنما جرى في حديث رواه ابن وهب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ما التفت عبد في صلاته قط إلا قال الله تعالى:
أنا خير لك مما التفت إليه والمذهب لا يؤخذ من الحديث لأن الحديث له وجه ومعنى والالتفات على ضربين: مباح ومكروه. فما كان للحاجة فمباح لحديث أبي بكر رضي الله عنه حيت التفت في الصلاة فرأى النبي (ص) فتأخر وقال (ص): من نابه شئ في صلاته فليقل سبحان الله فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت إليه وفي حديث أبي داود عن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة يعني الصبح فجعل النبي (ص) يصلي وهو يلتفت إلى الشعب وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس. وأما الالتفات لغير ضرورة فمكروه وذكر ما ذكرنا من الأحاديث في النهي عنه ثم قال:
فرع: قال في المختصر: ولا بأس أن يتصفح بخده ما لم يلتفت لما روى ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يلحظ في الصلاة ولا يلوي عنقه خلف ظهره رواه الترمذي. وروى النسائي أنه كان يلتفت يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه. والحديثان ضعيفان إلا أن النظر يصحح ذلك فإنه إنما عليه أن يتوجه إلى القبلة فإن لم يخل ذلك باستقباله لم يكن به بأس انتهى.
قلت: ظاهر كلام صاحب الطراز أن التصفح جائز لغير ضرورة، والظاهر أن ذلك إنما هو للضرورة، وأما لغير ضرورة فهو من الالتفات إلا أن الالتفات يتفاوت، فالتصفح بالخد أقرب وأخف من لي العنق، ولي العنق أخف من الالتفات بالصدر. ثم قال في المدونة: قيل لابن القاسم: فإن التفت بجميع جسده؟ قال: لم أسأل مالكا عن ذلك وذلك كله سواء. واختصر ذلك البراذعي فقال: ولا يلتفت المصلي فإن فعل لم يقطع ذلك صلاته وإن كان بجميع جسده. قال الحسن: إلا أن يستدبر القبلة. قال أبو الحسن الصغير: قوله: وإن كان بجميع جسده زاد في الأمهات ورجلاه إلى القبلة. وقوله: قال أبو الحسن: إلا أن يستدبر القبلة يريد أو يشرق أو يغرب وهو تفسير انتهى. ونقله ابن ناجي عنه وعن إبراهيم وقبله وقال
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست