والثاني: أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق، إلا إنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين. وحينئذ لا يبقى هذا السؤال) (1).
أقول: لا يخفى أن كبرى القضية في الاستدلال - عدم التحديد في المسح - مصادرة على المطلوب. مع أنه بناء على هذا الأسلوب في الاستدلال يصح أن نضع مع كل حكم شرعي وظهور قرآني احتمالا آخر ثم نحكم بالتخيير بينهما.
النوع الثاني من أدلة الجمهور على وجوب غسل الرجلين: وهو الاستدلال بصنفين من الأخبار:
الصنف الأول: الأخبار اللفظية، فمنها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من محدثي القوم - واللفظ للبخاري - عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: تخلف النبي (صلى الله عليه وآله) عنا في سفرة سافرناها، فأدركنا، وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: " ويل للأعقاب من النار " مرتين أو ثلاثا (2).
وفي لفظ آخر: قال (عبد الله): رجعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ويل للأعقاب من النار " (3).
ومنها: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من محدثيهم - واللفظ للبخاري - عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة - وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة - قال: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم (صلى الله عليه وآله) قال: " ويل للأعقاب من النار " (4).