واحتج لهذا القول بأن القراءتين ثابتتان في القرآن، ويتعذر الجمع بين موجبيهما - أي الغسل والمسح - إذ لا قائل به في السلف، فيخير المكلف بينهما، عملا بالقراءتين. وأيهما فعل يكون إتيانا بالمفروض، كما في الأمر بإحدى الخصال الثلاث في بعض الكفارات.
قال ابن العربي: (اختار محمد بن جرير الطبري التخيير بين الغسل والمسح وجعل القراءتين كالروايتين في الخبر يعمل بهما إذا لم يتناقضا) (1).
أقول: لا يخفى أن الأصل هو التعيين إلا إذا قام دليل على التخيير، ولم يقم في المقام، لعدم صلاحية ما ذكر لذلك، ولأن قراءة النصب موجبة للمسح أيضا، كما عرفت.
القول الثالث: وجوب الجمع بين الغسل والمسح. وهو محكي عن الحسن البصري [أ] وداود الظاهري [ب] ومن تابعه من أهل الظاهر [ج] والناصر للحق من أئمة الزيدية [د] والنحاس [ه] ونسبه في (المنار) إلى الطبري [و] وهو خطأ كما سترى (2). فهؤلاء يقولون: إن القراءتين في الآية بمنزلة آيتين فيجب العمل بهما جميعا ما أمكن، وهو هنا ممكن لعدم التنافي بين الغسل والمسح في محل واحد. فوجب الغسل لقراءة النصب، والمسح لقراءة الخفض، أو وجب الغسل لموافقة الأخبار، والمسح لموافقة الكتاب.