ولا ينافي ذلك استفادة معنى آخر من الحديث الشريف، وهو إن العبادة والسجود لله سبحانه لا يختص بمكان دون مكان، بل كل الأرض مسجد للمسلمين أينما كانوا وحيثما حلوا وشاءوا، وليسوا كغير المسلمين الذين خصوا العبادة بالبيع والكنائس، وذلك لأنه قد يستفاد من كلام واحد معان متعددة وأحكام كثيرة ونكات عديدة، بل هذا من بديع الكلام ولا سيما كلام سيد الأنبياء وإمام الفصحاء والبلغاء، وقد أعطي جوامع الكلام ونزل على لسانه القرآن الكريم، وربي في حجور الفصاحة وارتضع من ثدي الحكمة والبلاغة.
وقد استفاد هذا المعنى من هذا الحديث الجصاص حيث قال: " إن ما جعله من الأرض مسجدا هو الذي جعله طهورا " (1) وإلى هذا المعنى أشار ابن حجر في الفتح أيضا في شرحه لهذا الحديث حيث قال: " وجعلت لي الأرض مسجدا " أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره (2) أقول: يعني لم يجعل المسجد بمعنى المصلى مجازا بل حمله على حقيقته، وإليه أشار أيضا القسطلاني في شرح الحديث حيث قال " مسجد أي موضع سجود " (3) كما أنه قال في باب التيمم في شرحه للحديث:
" جعلت لي الأرض طهورا... احتج به مالك وأبو حنيفة على جواز