المشعر الخامس في كيفية اتصاف الماهية بالوجود (69) ولعلك تعود وتقول: لو كانت للوجود أفراد في الماهيات سوى الحصص لكان ثبوت فرد منه للماهية فرعا على ثبوتها بناء على القاعدة المشهورة. فيكون لها ثبوت قبل ثبوتها كما مر.
(70) فاعلم أنه لا خصوصية لورود هذا الكلام على عينية الوجود بل وروده على انتزاعية الوجود أشكل لأن الوجود عين الماهية على تقدير العينية فلم يكن بينهما اتصاف بالحقيقة وغيرها على هذا التقدير فيكون وصفا لها. فيشكل كيفية الاتصاف لأن اتصاف الماهية بالوجود على تقدير أن يراد به الكون المصدري مصداقها حصول الماهية.
والماهية بأي اعتبار أخذت كان لها كون مصدري فلا يتصور تقدمها بحسب مطلق الكون على مطلق الكون بخلاف ما إذا كان الوجود أمرا حقيقيا وللماهية تحصلا عقليا غير وجودها.
(71) لكن الحق الحقيق بالتحقيق أن الوجود سواء كان عينيا أو عقليا نفس ثبوت الماهية ووجودها لا ثبوت شيء أو وجوده لها.
وبين المعنيين فرق واضح والذي تجري فيه القاعدة المذكورة هو ثبوت شيء لشيء لا ثبوت شيء في نفسه فقط. فقولنا زيد موجود كقولنا زيد زيد. فلا تجري فيه القاعدة الفرعية. والجمهور حيث غفلوا عن هذه الدقيقة وقعوا فيما وقعوا من الاضطراب وتشعبوا في الأبواب. فتارة خصصوا القاعدة الكلية القائلة بالفرعية بما سوى صفة الوجود. وتارة هربوا عنها وانتقلوا إلى الاستلزام بدل الفرعية. وتارة أنكروا ثبوت الوجود أصلا لا ذهنا ولا عينا قائلين إنه مجرد اعتبار الوهم الكاذب واختراعه لأن مناط صدق المشتق اتحاده مع الشيء