المشعر الثامن في أن الوجود بالحقيقة هو الواحد الحق تعالى وكل ما سواه بما هو مأخوذ بنفسه هالك دون وجهه الكريم (115) لما علمت أن الماهيات لا تأصل لها في الكون وأن الجاعل التام بنفس وجوده جاعل وأن المجعول ليس إلا نحوا من الوجود وأنه بنفسه مجعول لا بصفة زائدة وإلا لكان المجعول بتلك الصفة فالمجعول مجعول بالذات بمعنى أن ذاته وكونه مجعولا شيء واحد من غير تغاير حيثية كما أن الجاعل جاعل بالذات بالمعنى المذكور.
فإذن ثبت وتقرر ما ذكرناه من كون العلة علة بذاتها والمعلول معلولا بذاته بالمعنى المذكور بعد ما تقرر أن الجاعلية والمجعولية إنما يكونان بين الوجودات لا بين الماهيات لأنها أمور ذهنية تنتزع بنحو من أنحاء الوجودات.
(116) فثبت وتحقق أن المسمى بالمجعول ليس بالحقيقة هوية مباينة لهوية علته الموجدة إياه ولا يمكن للعقل أن يشير إشارة حضورية إلى معلول منفصل الهوية عن هوية موجده حتى يكون عنده هويتان مستقلتان في الإشارة العقلية إحداهما مفيضة والأخرى مستفيضة. نعم له أن يتصور ماهية المعلول شيئا غير العلة وقد علمت أن المعلول بالحقيقة ليس ماهية المعلول بل وجوده. فظهر أن وجود المعلول في حد نفسه ناقص الهوية مرتبط الذات بموجده تعلقي الكون به. فكل وجود سوى الواحد الحق تعالى لمعة من لمعات ذاته ووجه من وجوهه. وإن لجميع الموجودات أصلا واحدا هو محقق الحقائق ومشيئ الأشياء ومذوت الذوات. فهو الحقيقة والباقي شؤونه.
وهو النور والباقي سطوعه. وهو الأصل وما عداه ظهوراته