المشعر الأول في إثبات الواجب جل ذكره وفي أن سلسلة الوجودات المجعولة يجب أن تنتهي إلى واجب الوجود (104) برهان مشرقي وهو أنا نقول: الموجود إما حقيقة الوجود أو غيرها. ونعني بحقيقة الوجود ما لا يشوبه شيء غير صرف الوجود من حد أو نهاية أو نقص أو عموم أو خصوص وهو المسمى بواجب الوجود. فنقول: لو لم يكن حقيقة الوجود موجودة لم يكن شيء من الأشياء موجودا. واللازم بديهي البطلان فكذا الملزوم. أما بيان الملازمة فلأن ما عدا حقيقة الوجود إما ماهية من الماهيات أو وجود خاص مشوب بعدم أو نقص وكل ماهية غير الوجود فهي بالوجود موجودة لا بنفسها. كيف ولو أخذت بنفسها مطلقة أو مجردة عن الوجود لم تكن بنفسها نفسها فضلا عن أن تكون موجودة لأن ثبوت شيء لشيء فرع على ثبوته في نفسه فهي بالوجود موجودة.
وذلك الوجود إن كان غير حقيقة الوجود ففيه تركيب من الوجود بما هو وجود ومن خصوصية أخرى. وكل خصوصية غير الوجود فهي عدم أو عدمي وكل مركب متأخر عن بسيطه مفتقر إليه والعدم لا دخل له في موجودية الشيء وتحصله وإن دخل في حده ومعناه.
وثبوت أي مفهوم كان لشيء وحمله عليه سواء كان ماهية أو صفة أخرى ثبوتية أو سلبية فهو فرع على وجوده. والكلام عائد إلى ذلك الوجود أيضا فيتسلسل أو يدور أو ينتهي إلى وجود بحت لا يشوبه شيء. فظهر أن أصل موجودية كل شيء موجود وهو محض حقيقة الوجود الذي لا يشوبه شيء غير الوجود.