مرتبة وجوده عن البياض واللابياض قياس بلا جامع إذ قيام البياض ومقابله بالجسم فرع على وجوده وليس قيام الوجود بالماهية فرعا على وجودها إذ لا وجود لها إلا بالوجود.
(77) فالتحقيق في هذا المقام أن يقال بعد ما أشرنا إليه من أن عارض الماهية عبارة عن شيء يكون عين الماهية في الوجود وغيره في التحليل العقلي: أن للعقل أن يحلل الموجود إلى ماهية ووجود وفي هذا التحليل يجرد كلا منهما عن صاحبه ويحكم بتقدم أحدهما على الآخر واتصافه به: أما بحسب الخارج فالأصل والموجود هو الوجود لأنه الصادر عن الجاعل بالذات والماهية متحدة به محمولة عليه لا كحمل العرضيات اللاحقة بل حملها عليه واتحادها به بحسب نفس هويته وذاته وأما بحسب الذهن فالمتقدم هي الماهية لأنها مفهوم كلي ذهني يحصل بكنهها في الذهن ولا يحصل من الوجود إلا مفهومه العام الاعتباري. فالماهية هي الأصل في القضايا الذهنية لا الخارجية والتقدم هاهنا تقدم بالمعنى والماهية لا بالوجود. فهذا التقدم خارج عن الأقسام الخمسة المعروفة.
(78) فإن قلت: تجريد الماهية عن الوجود عند التحليل أيضا ضرب من الوجود لها في نفس الأمر فكيف تنحفظ قاعدة الفرعية في اتصافها بمطلق الوجود مع أن هذا التجريد من أنحاء مطلق الوجود قلنا: هذا التجريد وإن كان نحوا من مطلق الوجود فللعقل أن لا يلاحظ عند التجريد هذا التجريد وأنه نحو من الوجود فتتصف الماهية بالوجود المطلق الذي جردناها عنه. فهذه الملاحظة التي هي عبارة عن تخلية الماهية عن جميع الوجودات حتى عن هذه الملاحظة وعن هذه التخلية التي هي أيضا نحو من الوجود في الواقع من غير تعمل لها اعتباران: اعتبار كونها تجريدا وتعرية واعتبار كونها نحوا من الوجود.
(79) فالماهية بالاعتبار الأول موصوفة بالوجود وبالاعتبار الآخر