خاتمة الرسالة (142) اعلم أن الطرق إلى الله تعالى كثيرة لأنه ذو فضائل وجهات غير عديدة ولكل وجهة هو موليها لكن بعضها أنور وأشرف وأحكم وأشد البراهين. وأوثقها وأشرفها إليه وإلى صفاته وأفعاله هو الذي لا يكون الوسط في البرهان غيره. فيكون الطريق إلى البغية من البغية لأنه البرهان على كل شيء. وهذه سبيل جميع الأنبياء والصديقين سلام الله عليهم أجمعين قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى فهؤلاء هم الذين يستشهدون به تعالى عليه شهد الله أنه لا إله إلا هو. ثم يستشهدون بذاته تعالى على صفاته وبصفاته على أفعاله وآثاره واحدا بعد واحد.
(143) وغير هؤلاء يتوسلون في السلوك إلى معرفته تعالى وصفاته بواسطة أمر آخر غيره كجمهور الفلاسفة بالإمكان والطبيعيين بالحركة للجسم والمتكلمين بالحدوث للخلق أو غير ذلك. وهي أيضا دلائل وشواهد لكن هذا المنهاج أحكم وأشرف. وقد أشير في الكتاب الإلهي إلى تلك الطرق بقوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. وإلى هذه الطريقة أشار بقوله أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد.
(144) فالربانيون ينظرون إلى حقيقة الوجود أولا ويحققونها ويعلمون أنها أصل كل شيء وأنها واجب الوجود بحسب الحقيقة. وأما الإمكان والحاجة والمعلولية فإنما تلحق الوجود لا لأجل حقيقته بل لأجل نقائص وأعدام خارجة عن أصل حقيقته. ثم بالنظر فيما يلزم الوجوب والإمكان والغنى والحاجة يصلون إلى توحيد صفاته ومن صفاته إلى كيفية أحواله