(74) فإذا ثبت كون وجود كل ممكن عين ماهيته في العين فلا يخلو: إما أن يكون بينهما مغايرة في المعنى والمفهوم أو لا يكون. والثاني باطل وإلا لكان الإنسان مثلا والوجود لفظين مترادفين ولم يكن لقولنا الإنسان موجود فائدة ولكان مفاد قولنا الإنسان موجود وقولنا الإنسان إنسان واحدا ولما أمكن تصور أحدهما مع الغفلة عن الآخر إلى غير ذلك من اللوازم المذكورة في المتداولات من التوالي الباطلة. وبطلان كل من هذه التوالي مستلزم لبطلان المقدم.
فتعين الشق الأول وهو كون كل منهما غير الآخر بحسب المعنى عند التحليل الذهني مع اتحادهما ذاتا وهوية في نفس الأمر.
(75) بقي الكلام في كيفية اتصاف الماهية بالوجود بحسب اعتبار المغايرة الاتصافية في ظرف التحليل العقلي الذي هو أيضا نحو من أنحاء وجود الشيء في نفس الأمر بلا تعمل واختراع. وذلك لأن كل موصوف بصفة أو معروض لعارض فلا بد له من مرتبة من الوجود يكون متقدما بحسبه على تلك الصفة أو ذلك العارض غير موصوف به ولا معروض له. فعروض الوجود إما للماهية الموجودة أو غير الموجودة أو لا الموجودة ولا المعدومة جميعا: فالأول يستلزم الدور أو التسلسل والثاني يوجب التناقض والثالث يقتضي ارتفاع النقيضين.
(76) والاعتذار بأن ارتفاع النقيضين عن المرتبة جائز بل واقع غير نافع هاهنا لأن المرتبة التي يجوز خلو النقيضين عنها هي ما يكون من مراتب نفس الأمر ولا بد من أن يكون لها تحقق ما في الجملة سابقا على النقيضين كمرتبة الماهية بالقياس إلى العوارض. فإن للماهية وجودا مع قطع النظر عن العارض ومقابله كالجسم بالقياس إلى البياض ونقيضه. وليس لها مرتبة وجود مع قطع النظر عن وجودها. فقياس عروض الوجود للماهية بعروض البياض للجسم وقياس خلوها عن الوجود والعدم بخلو الجسم في