المشعر الثاني في كيفية علمه تعالى بكل شيء على قاعدة مشرقية (119) هي أن للعلم حقيقة كما أن للوجود حقيقة. وكما أن حقيقة الوجود حقيقة واحدة ومع وحدتها يتعلق بكل شيء ويجب أن يكون وجودا يطرد العدم عن كل شيء وهو وجود كل شيء وتمامه وتمام الشيء أولى به من نفسه لأن الشيء يكون مع نفسه بالإمكان ومع تمامه وموجبه بالوجوب والوجوب آكد من الإمكان فكذا علمه تعالى يجب أن يكون حقيقة العلم وحقيقة العلم حقيقة واحدة ومع وحدتها علم بكل شيء لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها إذ لو بقي شيء من الأشياء ولم يكن ذلك العلم علما به لم يكن صرف حقيقة العلم بل علما بوجه وجهلا بوجه آخر. وصرف حقيقة الشيء لا يمتزج بغيره وإلا فلم يخرج جميعه من القوة إلى الفعل. وقد مر أن علمه سبحانه راجع إلى وجوده فكما أن وجوده لا يشوب بعدم ونقص فكذلك علمه الذي هو حضور ذاته لا يشوب بغيبة شيء من الأشياء. كيف وهو محقق الحقائق ومشيئ الأشياء فذاته أحق بالأشياء من الأشياء بأنفسها. فحضور ذاته تعالى حضور كل شيء. فما عند الله هي الحقائق المتأصلة التي تنزل هذه الأشياء منزلة الأشباح والأظلال.
(١٠٨)