المشعر الثالث في توحيده تعالى (106) لما كان الواجب تعالى منتهى سلسلة الحاجات والتعلقات وهو غاية كل شيء وتمام كل حقيقة فليس وجوده متوقفا على شيء ولا متعلقا بشيء كما مر. فيكون بسيط الحقيقة من كل جهة. فذاته واجب الوجود من جميع الجهات كما أنه واجب الوجود بالذات وليست فيه جهة إمكانية ولا امتناعية وإلا لزم التركيب المستدعي للإمكان وهو ممتنع فيه تعالى.
(107) فإذا تقرر هذا فنقول: لو فرضنا في الوجود واجبين فيكون ما فرض ثانيا منفصل الذات عن الواجب تعالى لاستحالة أن يكون بين الواجبين علاقة ذاتية وإلا لزم معلولية أحدهما أو كليهما وهو خلاف الفرض. فلكل منهما إذن مرتبة من الكمال الوجودي ليس للآخر ولا مترشحا منه فائضا من عنده. فيكون كل منهما عادما لكمال وجودي وفاقدا لمرتبة وجودية. فلم تكن ذات الواجب محض حيثية الفعلية ووجوب الوجود بل مؤلفا من جهتين ومصداقا لوجود شيء وفقد شيء آخر كليهما من طبيعة الوجود بما هو وجود ومناطا لوجوب نحو من الوجود وإمكان نحو آخر منه أو امتناعه.
فلم يكن واجب الوجود من كل جهة وقد ثبت أن ما هو واجب الوجود بالذات يجب أن يكون واجب الوجود من جميع الجهات وهذا خلف. فواجب الوجود بالذات يجب أن يكون من فرط الفعلية وكمال التحصل جامعا لجميع النشآت الوجودية والأطوار الكونية والشؤون الكمالية. فلا مكافئ له في الوجود ولا مماثل ولا ند ولا ضد ولا شبه بل ذاته من كمال الفضيلة يجب أن تكون مستند جميع الكمالات وينبوع كل الخيرات. فيكون تاما وفوق التمام.