والعمل الطيب والجهد المثمر. لأنهم وضعوا أمام الباحثين عن الحقيقة مادة غنية يستطيعون بها أن يميزوا بين الغث والسمين وأن يحددوا الطريق إلى الصراط المستقيم. رحم الله البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وأبا داوود والحاكم وابن ماجة وابن عساكر وأبا نعيم والديلمي والبغوي ونعيم بن حماد والبيهقي وابن حبان وابن خزيمة والضياء والسيوطي وغيرهم من الذين جمعوا لنا الأحاديث كي ننظر فيها نظرة الدراية التي تقود إلى الحقيقة.
د - مرايا عالم الدراية:
لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته هملا. فالقرآن الذي بين يدي الناس في يومنا هذا هو القرآن الذي جمع في عهده صلى الله عليه وسلم.
وليس صحيحا أن القرآن تم جمعة وترتيبه بعد وفاة الرسول. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبين تفسير كل آية ويأمر بكتابة ما يراه من هذا التفسير. لقد فسر صلى الله عليه وآله وسلم المعارف الإلهية والأحكام التشريعية وأظهر الفضائل الخلقية والمبادئ الإنسانية. وبما أن الكتاب وحي من الله تعالى فإن السنة هي أيضا وحي من الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: " أوتيت القرآن ومثله معه " فسنة النبي وتفسيره لآيات الكتاب تبين بحمل القرآن وتخصص عامة وتقييد مطلقه. والكتاب والسنة ينظمان كل نواحي الحياة. ففيهما العقائد والعبادات والفضائل والنظم الاجتماعية والاقتصادية والتربوية ونظام الحكم والسياسة.
فالسنة لم تترك شيئا إلا وبينته. ونصوص الكتاب والسنة جاءت منفصلة وموضحة كل المسائل التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان. فليس لأحد أن يزيد عليها أو ينقص منها (1). والكتاب والسنة لا يخاطبان جنسيا دون جنس ولا شعبا دون شعب. وإنما يخاطبان الناس جميعا في كل زمان ومكان. ومن الدليل أن القرآن جمع في عهد النبي وأنه تم تفسيره للصحابة لإقامة الحجة عليهم، قوله تعالى:
(إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) (2)،