لأنه هو نفسه صاحب الحق الشرعي في تنفيذ الحدود، ولم يكن من المعقول أن ينفذ الحد في نفسه، ولم يكن من المعقول أيضا أن ينفذه فيه غيره (1).
إن الناس لم يشعروا بالخجل بفضل عقيدة المرجئة، والوليد لم يشعر بالخجل بفضل عقيدة الجبرية. وفي موجة الغناء والشعر والمجون استجاب كثير من الشباب إلى النداء، ومضوا يغرقون همومهم في هذه الحياة الصاخبة المعربدة، يقول د. خليف: وكثرت جماعات المجون، ودوت معزوفات ضخمة اشترك فيها مجموعات هائلة من العزاف. وعلى الجسر الذي يصل الشاطئين الأموي والعباسي أخذت جماعات من المجان والخلعاء تمر فوقه لتستقبل على الشاطئ الآخر الرذيلة. وقد تجردت من ثيابها جميعا. وبسطت ذراعيها إلى أقصاها، لتضم إلى أحضانها هؤلاء الوافدين من طلابها، وتبلغ الغاوية مداها، ويتساقط الشباب تساقط الفراش المتهافت على النار. وكلما اشتدت ظلمة الهاوية، زاد عدد المتخبطين فيها، وفي أعماقها السحيقة، مضت جماعات من الشعراء تضرب على غير هدى. وقد ألف اللهو بينهم، وربط المجون بين أسبابهم. كلهم فاسق، وكلهم خليع، وكلهم سكير. وهذه المدرسة اللاهية، هي التي أرست قواعد غزل النساء، وغزل الغلمان. فالغزل في هذه المدرسة لم يكن حديث العاطفة، وإنما كان حديث الغريزة، ولم يكن نجوى الروح. وإنما كان نداء الجسد. وعلى بناء هذه المدرسة كثرة طائفة الجواري والمغنيات في المجتمع الإسلامي، وعلى أكتاف هذه المدرسة انتشرت الزندقة ودقت أوتادها، وراج شعر الأديرة (2). وكان الوليد بن عقبة، وصاحبة أو زبيد النصراني أول من حفر الحفرة لهذه البذرة في عهد عثمان بن عفان.
فمع شعر الأديرة، ومع الجواري، سبحت الدولة الأموية في آخر أيامها، ثم قامت بتسليم هذه الآفة الاجتماعية إلى الدولة العباسية، حيث كثر الرقيق في هذه الدولة. وكانن الجواري والغلمان والإيماء فيها من أجناس وثقافات وديانات