أصحاب الأنياب على المستضعفين من أبناء هذه الأمة الجريحة ولقد كان أبو عبد الله الحسين علما من أعلام طريق المثل الأعلى المرتفع الذي غايته الله وحده. كان أبو عبد الله دعوة لرفض الظلم والاستكبار على عباد الله المساكين. فالسلطة الأموية تسير بالقافلة نحو طريق لا يورث الأمة إلا الذل والعار. ألم يقتل حجر بن عدي ويدعي معاوية زياد وتسير الصلاة في طريق الضياع؟ ألم تنفق أموال المسلمين على تدبير المؤامرات وقتل من ترى الدولة أنهم معارضين لسياستها؟ ألم تتخذ الدولة بطانة لها من النصارى وعلى رأسهم سرجون الرومي موضع سر معاوية؟ ثم ألم يكن هذا كله مقدمة أو خطوة داخل مربع اتخاذ مال الله دولا ودين الله دخلا وعباد الله خولا؟ وعلاوة على هذا، ألم تكن الساحة قد طفحت تحت ثقافة السب بأجيال سيكون لهم الأثر البالغ على مسيرة الأمة بعد عام ستين، ذلك العام الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون مقدمة للفجار والمنافقين الذين يتاجرون بالقرآن. وفوق هذا الطوفان يبحث المحترفين من أبناء الصحابة عن طريق لكي يصلوا به إلى سدة الحكم.
إن هذا الطفح كان لا بد له من مثل أعلى مرتفع، فمن تذكر الموت وعلم أن لكل ذرة في هذا الكون رسالة، وأن رسالته هي الوقوف في خنادق الدعوة والسير على طريقها وفي اتجاه أهدافها. فمن علم ذلك فلن يجد مشقة في الوقوف تحت مظلة المثل الأعلى المرتفع. ويكفيه عنوان " من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا - يعني الحسين (1)، ويكفيه أيضا العنوان التحذيري القاطع الباتر: " إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق يقال لها:
كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره " - وفي رواية: " فمن شهده فلينصره " - وفي رواية: " فمن شهد منكم ذلك فلينصره " (2).