وفي الثاني والثلاثين من الخروج " 1 " ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا.
" 2 " فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وائتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها هارون.
" 4 " فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالازميل وصنعه عجلا مسبوكا فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.
" 5 " فلما نظر هارون بني مذبحا أمامه وقال غدا عيد الرب.
" 6 " فبكروا في الصباح واصعدوا محرقات وقدموا ذبائح.
فأقول: وإن ما تذكره التوراة من صنع هارون العجل إجابة لطلب بني إسرائيل منه أن يصنع لهم آلهة، لهو بمنزلة الإخبار القولي الصريح بأن العجل إلههم، وبمنزلة الدعوة الصريحة إلى عبادته، وزاد على ذلك في الصراحة بأن بنى مذبحا أمام العجل ونادى بالعيد على الرسم المألوف للعبادة، بل إن بناءه للمذبح ونداءه للعيد عبادة منه في الظاهر للعجل الذي تبانوا على أنه إلههم.
فإذا كان الاعتقاد في هذا المقام موافقا للقول والعمل، كان القول والعمل عبادة ظاهرا وواقعا، وإن كان الاعتقاد مخالفا لهما كانا عبادة منه في محض الظاهر، وينضم إلى قبحها قبح الإضلال للناس وحملهم على الشرك بالله كفعل إبليس، وعلى كل حال فالتوراة الرائجة صريحة في أن هارون وحاشاه صنع العجل ليتخذه بنو إسرائيل إلها لهم وعبده وأمر بعبادته ولم تتعرض لبيان أن اعتقاده كان مخالفا للظاهر.
وقد أنكر المتكلف " يه 1 ج ص 35 " على صاحب السيف الحميدي قوله ورد في سفر الخروج أن هارون صور العجل وعبده وأمر بني إسرائيل بعبادته فجعل المتكلف هذا القول افتراء على هارون فرية كبرى.
فأقول: أولا لا يخفى على الغبي أن صاحب السيف الحميدي كان