أقول: أراد بالعالم: ما سوى الله تعالى، والمراد بحدوثه: كونه مسبوقا بالعدم وكون زمان وجوده متناهيا في جانب الأول، وقد اختلف الناس فيه، فذهب جميع المليين من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس إلى أنها حادثة بذواتها وصفاتها وأشخاصها وأنواعها، وذهب أكثر الفلاسفة إلى قدم العقول والنفوس والأفلاك بموادها وصورها وقدم هيولى العناصر.. وإليه ذهبت الدهرية والناسخية.
ولما لم يكن في صدر الإسلام مذاهب الفلاسفة شايعة بين المسلمين، وكان معارضة المسلمين في ذلك مع الملاحدة المنكرين للصانع كانوا يكتفون غالبا في إثبات هذا المدعى بإثبات الصانع، مع أنه كان مقررا عندهم أن التأثير لا يعقل في القديم.
ويحتمل أن يكون غرضه من عقد هذا الباب حدوث العالم ذاتا واحتياجه بجميع اجزائه إلى المؤثر، لكن هذا لا يدل على عدم قولهم بالحدوث الزماني، بمعنى نفي عدم تناهي وجود العالم من طرف الأزل، ولا على عدم ثبوته بالدلايل، فان ذلك مما أطبق عليه المليون، ودلت عليه الآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة الصريحة في ذلك.
وعدم القول بذلك مستلزم لإنكار ما ورد في الآيات والأخبار من فناء الأشياء وخرق السماوات وانتشار الكواكب بل المعاد الجسماني، وقد فصلنا الكلام في ذلك في كتاب السماء والعالم من كتاب بحار الأنوار، وسنشير في ضمن الأخبار الدالة على هذا المطلوب عند شرحها إلى ذلك (1).