وثانيا: أي دلالة للبكاء على عدم اطمينان القلب؟ إنه - على فرض ثبوته - لم يكن إلا لمفارقته الرسول أو تأذيه من إرجاف المنافقين به...
وعجيب أمر ابن تيمية!! فتارة يجعل بكاء الإمام دليلا على وهن استخلافه!!
وأخرى يجعله دليلا على عدم اطمينانه باستخلافه!!
وبغض النظر عن هذا كله، وعلى فرض تسليم هذا الزعم الباطل، بأن يكون هذا البكاء المزعوم وقوله: " أتخلفني... " دالا على عدم استخلافه قبل ذلك وعدم اطمينان قلبه بأنه مثل هارون من بعده، فإنه لا يثبت انحصار الحديث بيوم تبوك بوجه من الوجوه، لجواز وقوع هذا الخطاب بعد يوم تبوك مرة أو مرات.
وأما قوله: " ولو كان علي بمنزلة هارون مطلقا لم يستخلف عليه أحدا ".
فالجواب عنه: إنه عليه السلام بمنزلة هارون على الإطلاق، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف عليه أحدا قط. ومتى ثبت بالأدلة القاطعة وكلمات الأئمة الصريحة كونه بمنزلة هارون على الإطلاق، وبطل إرادة العهد بالقطع واليقين، كانت دعوى استخلاف أحد عليه كاذبة، وابن تيمية نفسه معترف بالمنافاة بين الأمرين.
وكأن ابن تيمية يريد بدعواه هذه رفع المنقصة عن المشايخ الثلاثة، حيث استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم غير مرة، فتارة استخلف عليهم عمرو بن العاص، وأخرى أبا عبيدة، وثالثة اسامة... لكن هذه الاستخلافات ثابتة، ولا يرتفع مدلولها - وهو مفضولية المشايخ، وعدم استحقاقهم الخلافة بعد الرسول - بدعوى كاذبة وبهتان عظيم...
قوله: " وقد استخلف على المدينة غيره وهو فيها ".
واضح البطلان كذلك، وقائله مفتر كذاب... فقد نص كبار أئمة القوم على