والمستدل بهذا الحديث على أن الخلافة كانت له بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم زائغ عن منهج الصواب، فإن الخلافة في الأهل في حياته لا تقتضي الخلافة في الأمة بعد مماته، والمقايسة التي تمسكوا بها تنتقض عليهم بموت هارون قبل موسى عليها السلام.
وإنما يستدل بهذا الحديث على قرب منزلته واختصاصه بالمؤاخاة من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي شرح مسلم: قال القاضي عياض: هذا مما تعلقت به الروافض وسائر فرق الشيعة، في أن الخلافة كانت حقا لعلي رضي الله عنه، وأنه وصي له بها، فكفرت الروافض سائر الصحابة بتقديمهم غيره، وزاد بعضهم فكفر عليا لأنه لم يقم في طلب حقه، وهؤلاء أسخف عقلا وأفسد مذهبا من أن يذكر قولهم، ولا شك في تكفير هؤلاء، لأن من كفر الأمة كلها أو الصدر الأول خصوصا فقد أبطل الشريعة وهدم الإسلام.
ولا حجة في الحديث لأحد منهم، بل فيه إثبات فضيلة لعلي، ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره، وليس فيه دلالة على استخلافه بعده، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك. ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى، لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة.
وقال الطيبي: وتحريره من جهة علم المعاني: إن قوله " مني " خبر للمبتدأ و " من " اتصالية. ومتعلق الخبر خاص و " الباء " زائدة، كما في قوله تعالى:
* (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به) * أي: فإن آمنوا إيمانا مثل إيمانكم. يعني: أنت متصل بي ونازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه، ووجه التشبيه مبهم لم يفهم أنه رضي الله عنه فيما شبهه به صلى الله عليه وسلم، فبين بقوله: إنه لا