العبد، فإن العقل إذا لم يحط بتصور ذاتها لم ينتظم قضاؤه عليها لا بنفيها ولا إثباتها، ولم يستقم حكمه لها بشئ من نعوتها وصفاتها فأقول:
المحبة حالة شريفة أخبر الله عز وجل بوجودها منه لعبده ومن عبده له، فقال جل وعلا: " * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) * وقالك * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * وقال: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) *...
إن حقيقة محبة الله تعالى لعبده: إرادته سبحانه لإنعام مخصوص يفيضه على ذلك العبد من تقريبه، وإزلافه من محال الطهارة والقدس، وقطع شواغله وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا، ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنه يراه، فإرادته بأن يخص عبده بهذه الأحوال الشريفة هي محبته له...
وأما محبة الله تعالى فهي ميله إلى نيل هذا الكمال، وإرادته درك هذه الفضائل.
فيكون إضافة المحبة إلى الله - تعالى جل وعلا - وإضافتها إلى العبد مختلفين، نظرا إلى الاعتبارين المذكورين.
فإذا وضح معناهما فمن خصه الله - عز وعلا - بمحبته على ما تقدم من إرادته بقربه وإزلافه من مقر التقديس والتطهير، وقطع شواغله عنه، وتطهير قلبه من كدورات الدنيا ورفع الحجاب، فقد أحرز قصاب السابقين، وارتدى بجلباب الفائزين المقربين.
وهذه المحبة ثابتة لأمير المؤمنين علي، بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صح النقل في المسانيد الصحيحة والأخبار الصريحة، كمسندي البخاري ومسلم وغيرهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:
لأعطين الراية...
وقال صلى الله عليه وسلم يوما - وقد أحضر إليه طير ليأكله - اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكل معه. وكان أنس