لا أريد أن يمسكه أحد غيري، فأقبل يمشي إليهم، فإذا هم على فرش وبسط ونمارق... ثم أمسك برأس فرسه وجلس على الأرض عند طرف البساط.
فقالوا له: لو دنوت فجلست معنا كان أكرم لك، إن جلوسك مع هذه الملوك على هذه المجالس مكرمة لك، وإن جلوسك على الأرض متنحيا صنيع العبد بنفسه، فلا نراك إلا قد أزريت بنفسك.
فأخبره الترجمان بمقالتهم، فجثا معاذ على ركبتيه واستقبل القوم بوجهه وقال للترجمان: قل لهم...
فلما فسر هذا الترجمان لهم نظر بعضهم إلى بعض وتعجبوا مما سمعوا منه وقالوا لترجمانهم: قل له أنت أفضل أصحابك.
فقال معاذ عند ذلك: معاذ الله أن أقول ذلك، وليتني لا؟ أكون شرهم " (1).
ولو كان إطلاق صيغة التفضيل على المفضول بلحاظ بعض الحيثيات جائزا، لما استنكر معاذ قولهم: " أنت أفضل أصحابك " قطعا.
8 - لو كان مراد النبي " الأحب في الأكل " لصرح به وبعد، فإنه لو كان مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة الطير طلب أحب الخلق إليه في الأكل لصرح به، إذ كان يمكنه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: اللهم ائتني بالأحب في الأكل. لكنه لم يقل هكذا بل قال:
اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطائر.
إن تركه صلى الله عليه وآله وسلم تلك العبارة المختصرة، وقوله هكذا، يدل بكل وضوح وصراحة على معنى فوق الأحبية في الأكل، وليس ذلك إلا أنه صلى الله عليه وآله وسلم يريد إثبات أن الرجل الذي يطلبه أحب الخلق إلى الله وإلى رسوله على الإطلاق والعموم... وإلا فما وجه العدول عن