أبي بكر وعمر...
وأما دعوى الجمع بين الحديثين بما ذكر فبطلانها واضح مما سبق بالتفضيل، حيث علمت أن إطلاق أفعل التفضيل على المفضول بلحاظ وجه حقير، غير جائز...
الوجه الثامن:
أخرج الترمذي: " حدثنا سفيان بن وكيع، نا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: أنه فرض لأسامة في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف. فقال عبد الله بن عمر لأبيه: لم فضلت أسامة علي، فوالله ما سبقني إلى مشهد؟ قال: لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حبي. هذا حديث حسن غريب " (1).
فهذا الحديث صريح في أن " زيد بن حارثة " كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من " عمر بن الخطاب " بإقرار منه، فما جاء في ذيل حديث عمرو بن العاص كذب، ولو كان لما ذكره عمرو أصل لعلمه عمر بن الخطاب، وحمل هذا الإقرار من عمر على التواضع غير جائز، لأنه جاء في جواب اعتراض من ولده على ما فعله فلا بد من أن يحمل على الحقيقة والإطلاق...
وبالجملة، فلا مناص للقوم من الالتزام بأحد الأمرين، إما تكذيب عمر ابن الخطاب في أحبية زيد منه، وإما تكذيب عمرو بن العاص في حديثه! لكن الإنسان إذا ابتلي ببليتين اختار أهونهما... والأهون عندهم تكذيب عمرو...