العظيم والتقبيح العميم، ووصفه بما يشير إلى أنه كان ملحدا لا مؤمنا، نحو قوله:
فأما أبو حنيفة فقد قلب الشريعة ظهرا لبطن وشوش مسلكها وخرم نظامها، وسنذكر تمامه في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
فقلت لنفسي: لا أتيقن هذا ما لم أطلع على الكتاب الموسوم بالمنخول، فتوسلت بطريقة إلى تحصيله، فوجدته بعد جهد جهد في زمان مديد، فوجدته كما نسخ في هذه الجزازة، فأورد في قلبي وجدا وحرارة، فبان لي أن تقربهم في بلاد العجم إلى أصحاب الإمام المعظم كان تقية، لما يرون من تقدمهم وقربهم وتعصبا لأمرائهم، وأن تبغضهم بهم في هذه وإزرائهم عليهم لقربهم من السلطان وميله إليهم، ولاح لي بدلالة واضحة وأمارة لائحة أن القوم يعرفون أن أبا حنيفة - رحمه الله - هو الإمام المتقدم والحبر المعظم، والعالم التقي والزاهد النقي، لكن يظهرون خلاف ما يضمرون، طلبا للرئاسة الكلية والشوهات النفسانية والحفوظ الدنيوية.
ومصداق هذه الدعوى وبرهانها أن خيارهم يأخذون الشفعة بالجوار، وأنه غصب وعدوان عندهم، ويتطهرون بماء الحمام ويغتسلون به وهو نجس عندهم والصلاة بتلك الطهارة باطلة عندهم، بناءا على أن رماد النجاسة المحرقة نجس عندهم، وقد خلط بالكلس في الحمام وبطليه، وأن النجاسة تحترق في الأتون وأن أجزاء رمادها تقع في مجرى الحوض، فيجري عليه الماء فيتنجس، ويتعاملون في السوق بالأخذ والعطاء بدون قولهم بعت واشتريت في المطعوم والمشروب والملبوس، وأنه باطل عندهم، والمقبوض بناء على ذلك كالمقبوض بالغصب.
وكذا يبيعون ويشترون على أيدي صبيانهم وتصرفاتهم عندهم باطلة، ويزارعون والمزارعة عندهم فاسدة، ويتزوجون بتزويج أولياء فساق وتزويجهم في مذهبهم باطل، وكذلك أنكحتهم بحضرة الفساق فاسدة، فيظهر بهذا أن أنكحتهم في الأكثر باطلة، ووطؤهم بناء على تلك الأنكحة زنا وأولادهم أولاد زنا، وما يأكلون ويشربون ويلبسون حرام، وكذا ما يجمعون بتلك الطرق.