وأعلام العلماء، حتى قرن الله مساعيه بالنجاح، وجعل صيته الطيار موفور الجناح، أخذ عن جمع كثير لا يحيط بها الحد ولا يضبطها العد، كان قد وصل إلى خدمة الرجال من أصحاب الكتيبة التاسعة والعاشرة والحادية عشر وأخذ عنهم وسمع التفسير والحديث، وبرع في معرفة المذاهب، وكان أستاذ الأئمة على الإطلاق وكانت الطلبة ترحل إليه من الآفاق... " * عن الشافعية بقوله:
" الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيد المرسلين محمد وآله العالمين العاملين. وبعد، فإني كنت أسمع شفعويا يذم إمام الأئمة وسراج الأمة أبا حنيفة - رضي الله عنه - ويسئ القول به ويلعنه، بل أراهم يتقربون إلى أتباعه ويتوددون إلى أشياعه إلا المعتزلة منهم، فإنهم كانوا يبغضون لبدعتهم ويعادون لعداوتهم.
حتى دخلت حلب - طهرها الله عن البدع - فسمعت بعد مدة أن أعلام المدرسين من الشفعوية، لعن أبا حنيفة - رحمه الله - فأنكرت على الناقل وكذبته، ثم توالى على سمعي من سكان مدارس الشفعوية من المتفقهة منهم، أنهم يسيئون القول في الحنفيين ويبغضونهم، وفي أيديهم كتاب مكتوب فيه مناظرة الشافعي - رحمه الله تعالى - مع محمد بن الحسن الشيباني، يذكر فيه أن الشافعي - رحمه الله - ناظره فنظره عند هارون الرشيد وكفره، وهم يعتقدون صحة ذلك ويدرسونه، فقلت: سبحان الله! الشافعي كان تلميذ محمد بن الحسن واستفاد منه علم أبي حنيفة - رحمه الله - وأثنى عليه، كيف يستجرئ أن يناظره وينظره ويحاجه ويحجه، فضلا عن أن ينظره ويكفره، مع علمه قبح ذلك في الشريعة المطهرة؟
فطلبت ذلك المكتوب فأخفوه، والآن وقعت في يدي جزازة مكتوب فيها:
إن أبا محمد الغزالي الطوسي أحد رؤساء الشفعوية ذكر في آخر كتابه الموسوم بالمنخول في الأصول بابا، قدم فيه مذهب الشافعي على سائر المذاهب، وفضله على سائر أصحاب المناصب، مثل أبي حنيفة وأحمد ومالك - رحمهم الله -، وسلك في تصحيح دعواه ثلاث مسالك وطعن فيه، وخص أبا حنيفة - رحمه الله - بالتشنيع