وما ذكره القاضي نور الله التستري بصدد إثبات عداوة الجاحظ لأمير المؤمنين - مع عدم ذكر تأليفه كتابا في مناقبه، وحمل ذلك على محمل يستغربه الأذكياء بل الأغبياء - من أن الجاحظ كان يذهب إلى أن الإمامة تنتقل بالوراثة فيكون العباس إماما بعد النبي - صلى الله عليه وآله - دون علي ليتقرب بذلك إلى المأمون العباسي، أعجب مما ادعاه العلامة الحلي.
وذلك لأن دعوى جريان الإرث في مسألة الإمامة - على تقدير تسليم القول بها من هذا المعتزلي - إنما هي خطأ في الرأي، وهو لا يستلزم العداوة لأمير المؤمنين علي، وإنما يترتب على هذا الرأي حرمان أحب الأحباب، وانتقال الميراث إلى غير المحبوب.
ومن المعلوم أنه لو كانت الإمامة تنتقل بحسب طبقات الوراث لم تكن لتصل إلى ابن العم، مع وجود العم.
فصاحب هذا الزعم الذي ذهب إليه لغرض إرضاء المأمون - وهو أحد ملوك الشيعة كما صرح به القاضي التستري - يكون من أعداء أمير المؤمنين؟
فاعتبروا يا أولي الألباب، إن هذا لشئ عجاب!
والكلام حول مودة الجاحظ المعتزلي لأمير المؤمنين وخدمته لكلامه - وإن كان لا وجه له في هذا المقام - إلا أنه ينطوي على فائدة كبيرة وهي: أن جعل الجاحظ الذي وضع رسالة غراء في فضائل أمير المؤمنين - والذي اقتدى به الشريف الرضي في معرفة كلامه وعبر عنه ب " الناقد " - من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين تعبير يختص بالامامية، وهو يشبه تماما تسمية اللغويين الصحراء القاحلة بالمفازة، وتعبير أهل العرف العام عن الأعمى بالبصير ".
أقول - قبل كل شئ -: إن كلام رشيد الدين الدهلوي هذا رد وتكذيب لكلام شيخه (الدهلوي)، الصريح في أن الجاحظ ناصبي وكافر، وإنما جاء حكم الشيعة - بكون الجاحظ من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين - عليه السلام - نظرا إلى ما أورده الجاحظ في رسالته (العثمانية) من الخرافات على الإمام، واستنادا إلى