قال أحدهم: إن هذا صحيح جدا ولكن على الصعيد النظري فحسب، لما فيه من طوبائية تتجافى مع الواقع العملي لنوع الناس.
قلت: قد يكون ذلك كما تقولون لو كانت الرسالة غير سماوية، وكانت المخططات لها من صنع بشر عادي يكون معرضا للخضوع للعوامل الذاتية في تصرفاته ولا أقل من خطئه واشتباهه.
أما وأن الرسالة سماوية ومخططها هو الله عز وجل فليس هناك ما يمنع من وضع مخطط لتهيئة مثل أولئك الأشخاص وإيداع ذلك إلى النبي لتنشئتهم وفق ذلك المخطط.
على أن دعوى الطوبائية لا أفهم لها دلالة في أمثال هذه المواضع مع إدراكنا لدور التربية السليمة في بناء الأشخاص وفق المفاهيم التي يراد لها التطبيق، ونحن نعرف أن الشخص الذي يربى على أسس معينة لمفاهيم وقيم خاصة، إذا أبعد عن كل ما يتجافى مع تلكم المفاهيم منذ صغره يكاد يستحيل عليه أن يصدر في تصرفاته عما يخالفها، وأمامنا في واقعنا المعاش كثير من القيم الحضارية السائدة في بعض البلدان المتحضرة كالدول الأسكندنافية مثلا لا يمكن لأهلها أن يخرجوا عليها، وبعض هذه القيم انتزعت من واقع مفاهيمنا الإسلامية كالصدق والأمانة وغيرهما.
على أن الذي يكفينا الآن - ونحن نتحدث عما يجب أن يكون - هو اعترافنا بصحة هذه الفكرة على الصعيد النظري لننتقل بعد ذلك إلى دراسة ما هو كائن ثم نرى مدى انسجامه مع هذا الواقع الذي انتهينا إليه.
وأول ما يلفت نظرنا ونحن نستعرض هذا الجانب أن نرى في بعض تصرفات النبي (صلى الله عليه وآله) ما يبحث عن تفسير ما دامت تصرفاته - بحكم رسالته -