حجة الوداع وقد صوره ابن عباس ورسم أجواءه بقوله " لما أمر الله رسوله أن يقوم بعلي فيقول له ما قال " فقال: يا ربي إن قومي حديثو عهد بجاهلية، ثم مضى بحجه فلما أقبل راجعا ونزل بغدير خم أنزل عليه * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...) * (1) الآية فأخذ بعضد علي فقال: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى يا رسول الله قال: اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأعن من أعانه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه " (2).
ومن هنا يتضح أن اختيار النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي ما كان وليد الصدفة، وإنما كان وليد إعداد وتهيئة ذات جذور عميقة، تقتضيها طبيعة الحماية للمبادئ الثورية التي أنزلت من السماء لهدم أمة وبنائها من جديد، وعلي هو الوحيد الذي كان إذ ذاك لا يحمل في رواسبه مخلفات الجاهلية بفضل احتضان النبي (صلى الله عليه وآله) له من صغره، وإبعاده عن جميع أجوائها المعاكسة، بما هيأ له من وسائل التربية السليمة.
فالفكرة إذن سليمة وليس فيها شئ من الطوبائية كما نتخيل، ويصدقها واقع الإمام علي (عليه السلام) وسلوكه المنسجم معها داخل الحكم وخارجه، كما يصدقها واقع خلفائه من أهل البيت الذين أعد لهم الإمام نفس الأسلوب الذي اتخذه النبي (صلى الله عليه وآله) في تربيته الخاصة، وقد سبق في أحاديثنا عن العصمة والتماسها في واقعهم التأريخي ما يلقي الأضواء على ذلك.
قال أحدهم: إن الذي يقف دون تقبل هذه الفكرة وما اعتضدت به من