حراء، فليس غريبا بعد ذلك أن لا يكون لهذا الصبي من الرواسب الجاهلية ما يتجافى مع الأسس الجديدة التي رسمها النبي (صلى الله عليه وآله) للسلوك، وأكد منها الإسلام بعد ذلك في جملة ما جاء به من تشريعات.
ومن هنا كان من الطبيعي جدا أن يكون هذا الصبي أسرع الناس إلى الإيمان بالرسالة التي أرسل بها صاحبه لملاءمتها لواقعه النفسي، ولقد تظافرت جملة من الروايات على تسجيل هذا الواقع ومنها ما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يصل معي غيره " (1) ومن مأثور ما نقل عن الإمام نفسه قوله في إحدى خطبه: " اللهم لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك ثلاث مرات، لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعا " (2) ثم شده النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هذه الرسالة شدا، ومكنها من نفسه عقيدة، يفنى من أجلها ويعيش.
وفناؤه في الدفاع عنها وعن صاحبها وهو في مكة أشهر من أن يتحدث عنه.
والعقيدة متى تمكنت من أعماق صاحبها ولم يكن لها في نفسه ما يزاحمها من الرواسب المعاكسة استحال عليه عادة الخروج على تعاليمها، أو التخلف عما تدعو إليه وتتطلبه من تضحيات، وهو معنى العصمة الذي نريده ونذهب إليه.
ونجاح هذا الجانب من الإعداد على يد النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي أوجب أن يؤهله * (وما ينطق عن الهوى) * (1) للخلافة من عبده ويعد النفوس لتقبل ذلك