كما أراد الإمام الحسن عليه السلام أن يعلم المسلمين بأن كل نزاع وخصومة يجب أن تحل أولا بطريقة الصلح والتفاهم الأخوي الصريح مهما أمكن حتى يظهر دفينة كل من الطرفين، وأن النية في ذلك صالحة أو غير صالحة، لذلك قال الإمام الحسن عليه السلام: (إني رأيت الناس تركوا ذلك الاهله؟؟؟ خشيت أن يجتثوا من سطح الأرض فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع).
وهذا هو السر في اختيار الموضع السلمي إذا كان هو اختار طريق الحرب - لقتل هو وأخوه الحسين عليه السلام وجميع أصحابه الأبرار الأتقياء، فلم يبق من المسلمين الأحرار أحد.
ومعاوية مع مكره وحيله يتسلط حين ذاك على الحكم وينقلب الأمر من العدالة إلى الظلم، ومن الحكومة الإلهية الحقة إلى الحكومة الجبارة - الطاغية. والناس لا يعرفون من الإسلام وحكومته إلا معاوية وأصحابه الذين لا يعرفون من الإسلام إلا إرضاء شهواتهم وقتل الأبرياء والأحرار وهتك نواميس الإنسانية والدين لأجل الوصول إلى الحكم وجلب منافعهم المادية، فحينئذ من الطبيعي أن من يرى أن الإسلام يسلط على رقابهم معاوية وأمثاله من المكرة الغدرة فلا يرغب إذا إليه بل يعانده ويقول إن الدين الذي يرى حكومة هؤلاء الأشرار فلا يمكن لذوي العقول أن - تؤمن به، وينعى لعدم إجراء دستوره في المجتمع البشري.
ولذا نرى الحسين عليه السلام يقول لأصحابه: (الأمر لكم كما أمر به الإمام الحسن بن علي عليهما السلام وأنا لا أفارق ما صنع أخي).
حتى إذا ظهر ما أبطن معاوية والناس لا يعرفون أنه بعيد عن الإسلام - وقد عرفوا أنه تقلد الخلافة الإسلامية لأجل أن يحكم في الناس بما يشاء وهو يبيع الإسلام بالحكم والتحكم، ولذا أمر بأخذ البيعة من الناس لولده الفاسق الفاجر المتجاهر بالمعاصي وأنواع الجنايات.
ولما مات معاوية انقلب الوضع وانتبه الناس لمثالبه، حتى وصل الأمر بأصحاب الحسين عليه السلام إلى حد رأوا أن الحياة عقيدة وجهاد وأن الشهادة في ظل الحسين عليه السلام فضيلة لا مثيل لها في عالم الإنسانية وحفظ أساس الإسلام فحينئذ قام في الناس قائلا: