وقال المقريزي: وبينا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يسير مع رسول الله (ص) فسئله فلم يجبه، ثم سئله فلم يجبه، ثم سئله فلم يجبه، فقال ثكلتك أمك يا عمر بدرت رسول الله ثلاثا وكل ذلك لا يجيبك، وحرك بعيره حتى تقدم الناس وخشي أن يكون نزل فيه قرآنا فأخذه ما قرب وما بعد لمراجعته بالحديبية وكراهته القضية.
وسبطه الإمام الحسن عليه السلام يوم جاء دورة في قيادة الأمة الإسلامية رأى أن موضعه يشبه موضع جده في توقيع الصلح مع معاوية، وخشي على الإسلام من تلك الوحوش الكاسرة من أن يقضوا عليه وعلى الإسلام ولا يبقوا له أثرا، ولا للإسلام رسما، لذلك استقر رأيه على ترسيخ الخطة الحكيمة، وإصلاح ذلك الوضع.
والإمام بطريقته الإعجازية التي كان يستقيها من منبع الوحي يوجد ظروفا خاصة كي يعلم كل كبير وصغير، وقريب وبعيد، حقيقة الإسلام والمسلمين ويعرف المسلمون أعدائهم ويميزوا بينهم وبين المدافعين عن الحق والعدل. ومن هذا المنطلق قال عليه السلام لمعاوية (ولا تجد غيري من جده النبي الأكرم، ورأيت أن أصلح بين أمة جدي، وأحفظ - الإسلام ليصل إلى الأجيال القادمة فيعرفوا حقيقته وينال ما أراد الله له من الخلود والبقاء، وأنا أولى أن أفعل ذلك، واعلموا أننا وقعنا الصلح مع معاوية وهو أكبر اختبار لكم، وأن المدة المفروضة لكم في هذا الاختبار قليلة جدا.
نعم هذه الطريقة هي التي عرفت الإمام الحسن عليه السلام وشيعته كما أظهرت معاوية وأتباعه، وأوجدت أمام معاوية رجالا أقوياء اشتملوا على نفسيات عالية وقفوا بها إلى جانب المبادي والأهداف الإسلامية أناس مهيؤون للتضحية والفداء في سبيل الإسلام، كما أن هذه الطريقة أظهرت مخابئ نفوس أعداء الإسلام والمسلمين وفضحتهم، وفتحت المجال للأجيال القادمة ليقفوا وينظروا حقيقة الموقف ويختار والطريق الصحيح على ضوء الوقائع التاريخية المبينة لهم، ولم يكن صلح الإمام الحسن عليه السلام إلا نوعا من الإغراء لمعاوية ليتمادى غي إظهار حقيقة نفسيته، ولم تنفعه الأقنعة التي كان يستعين بها باسم الإسلام وحفظ راية المسلمين.