المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة. فقال حرقوص بن زهير: إن المتاع في هذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن طلب الحق، وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
فقال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم إن الرأي ما رأيتم [ف] - ولوا أمركم رجلا منكم فإنه لا بد لكم من عماد وسنان، وراية تحفون بها وترجعون إليها. فعرضوا ولايتهم على زيد بن حصين الطائي فأبى، وعلى حرقوص بن زهير فأبى، وعلى حمزة ابن سنان وشريح بن أوفى العبس فأبيا، ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فقال:
هاتوها، أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا، ولا أدعها فرارا من الموت، فبايعوه لعشرة خلون من شوال فكان يقال له ذو الثفنات.
فاجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسي فقال ابن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة مجتمع فيها وننفذ حكم الله فإنكم أهل الحق. قال شريح: نخرج إلى المدائن فننزلها، ونأخذ بأبوابها ونخرج منها سكانها ونبعث إلى إخواننا أهل البصرة فيقدمون علينا.
فقال زيد بن حصين: إنكم إن خرجتم مجتمعين تبعوكم ولكن اخرجوا وحدانا ومستخفين، فأما المدائن فإن بها من يمنعكم ولا تسيروا حتى تنزلوا بجسر النهروان وتكلموا إخوانكم من أهل البصرة. قالوا: هذه الرأي، فكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة ليعلمهم ما اجتمعوا عليه ويحثهم على اللحاق فأجابوه.
فلما خرجوا صار شريح بن أوفى العبسي يتلو قوله تعالى: (فخرج منها خائفا يترقب) وخرج معهم طرفة بن عدي إلى عامل علي بالمدينة يحذره فحذر وضبط الأبواب واستخلف عليها المختار بن أبي عبيد وخرج بالخيل في طلبهم فأخبر به ابن وهب فسار على بغداد ولحقه ابن مسعود أمير المدائن بالكرخ في خمسمائة فارس فانصرف إليه ابن وهب الخارجي في ثلاثين فارسا له فاقتتلوا ساعة، وامتنع القوم منهم، فلما جن الليلة على ابن وهب عبر دجلة، وصار إلى النهروان ووصل إلى أصحابه، وتفلت رجال من أهل الكوفة يريدون الخوارج فردهم أهلوهم.