وتعرف سخافة المهوسين أنها نزعة فارسية أو سبائية أو غير ذلك، هناك تعرف أنها إسلامية محمدية لا غير.
أنظر في تلك العصور إلى بني علي عليه السلام وفي أي شأن كانوا، أنظرهم وعلى رأسهم الإمام زين العابدين عليه السلام، فإنه بعد شهادة أبيه انقطع عن الدنيا وأهلها، وتخلص للعبادة، وتربية الأخلاق، وتهذيب النفس، والزهد في حطام الدنيا، وهو الذي فتح هذا الطريق لجماعة من التابعين: كالحسن البصري، وطاووس اليماني، وابن سرين، وعمرو بن عبيد، ونظائرهم من الزهاد والعرفاء، بعد أن أوشك الناس أن تزول معرفة الحق من قلوبهم، ولا يبقى لذكر الله أثرا إلا بأفواهم، ثم انتهى الأمر إلى ولده محمد الباقر عليه السلام وحفيده جعفر الصادق عليه السلام.
فشادوا ذلك البناء.
وجاءت الفترة بين دولتي بني أمية وبني العباس، فاتسع المجال للصادق عليه السلام، وارتفع كابوس الظلم وحجاب التقية، فتوسع في بث الأحكام الإلهية، ونشر الأحاديث النبوية التي استقاها من عين صافية من أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وظهرت الشيعة ذلك العصر ظهورا لم يسبق له نظير فيما غبر من أيام آبائه، وتولعوا في تحمل الحديث عنه، وبلغوا من الكثرة ما يفوت حد الاحصاء، حتى أن أبا الحسن الوشاء قال لبعض أهل الكوفة: أدركت في هذا الجامع - يعني مسجد الكوفة - أربعة آلاف شيخ من أهل الورع والدين كل يقول:
حدثني جعفر بن محمد (1).
ولا نطيل بذكر الشواهد على هذا فنخرج عن الغرض، مع أن الأمر