فرضت، حتى يقال: إن من مراتبه جعل كل واحد منهم معصوما، فيجب عموم العصمة على أصلكم، بل الوجه أنه إذا كانت حال المكلفين ضعف المدارك عما يليق بهم فعلا وتركا، وكانت الدواعي الباطلة مستولية على كلهم أو بعضهم، بحيث لا ينتظم أمور المعاد والمعاش انتظاما حسنا كما هو الواقع، يحكم العقل على قانون أهل العدل بأنه يجب بحسب الألطاف الكاملة أن يعين لهم كاملا بحسب العلم والعمل، حتى يكون إطاعته مثمرة لانتظام أمر المعاش، ويكون وسيلة وافية بينهم وبين الله تعالى في أمر المعاد.
ولما كان اتصاف شخص بالخصلتين الكاملتين حتى يترتب على تبعيته الغايتان النافعتان من الأمور الخفية التي لا تظهر إلا ببيان الله عز وجل، بواسطة القرآن، أو بواسطة النبي، أو بواسطة من علم صدقه بأحدهما، أو بالمعجزة، كخفاء ما يستحق به النبوة على الناس، فلا معنى لحوالة اختيار الإمام إلى آرائهم، كما لا يصح حوالة اختيار النبي إليها، والفارق بين المرتبة من اللطف التي أثبتناها ومرتبة العصمة التي ألزمتموها بزعمكم، حكم العقل بالأولى وعدمه بالثانية.
ويدل على ذلك أيضا ملاحظة كيفية خلق الإنسان، ورعاية حكم ومصالح في كيفية خلقه الأعضاء بتأليفات تناسب الانتفاع المطلوب منها، بحيث يبلغ ما دون بعض أرباب علم التشريح على ما نقل خمسة آلاف، ومن لاحظها وتأمل فيها علم علما يقينيا أن خلقة الأعضاء على ما خلقت عليه لانتفاع خاص يترتب على خلقها بالهيئة المخلوقة.
وهل ينبغي أن يجوز عاقل أن يراعي الله تعالى في خلقة الأعضاء المنافع الجلية والدقيقة والقوية والضعيفة، لاحتياج كمال الانتفاع إلى الهيئة الخاصة، ولا يراعي في إرشاد الإنسان إلى الأمور الضرورية في أمر المعاش والمعاد - مع غاية الاحتياج - ما يحتاجون إليه من تعيين مرشد يرشدهم إليها، ويصير وسيلة بينهم