أن بلالا ترك الأذان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لما ترك الناس حي على خير العمل فالتمست منه فاطمة عليها السلام أن يؤذن وقالت: أحب أن أسمع صوت مؤذن أبي فشرع في الأذان فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ذكرت أيام أبيها فبكت وخرت مغشية عليها حتى ظنوا أنها ماتت فأخبروا بلالا فقطع الأذان (1).
هذا حاصل الحديث والجواب واضح إذ لا إشعار بمطلبهم ولا يمكن أن ينكر تأثير الحزن في القلوب وهو مشاهد عيانا وتأثيره في قلوب النساء أكثر غالبا لكن أين هذا من دعواهم ومعلوم أن سببه الحزن وذكر أيام أبيها، وغير معلوم تقدم علمها بحصوله وتوصلها إليه مع أن ذلك ليس باختياري وبعد فكيف لم يؤثر ذلك في علي والحسن والحسين عليهم السلام وهل يمكن تفضيل فاطمة عليهم أو القول بأنها كانت صوفية دونهم على أنا إنما أنكرنا ما كان تصنعا وتكلفا وقد توصل إليه بما ليس بمشروع أو بالمشروع دون ما ليس باختياري ولا يعتقده صاحبه عبادة ولا توصل إليه والحاصل أن هذا الاحتجاج ساقط قطعا.
واحتج بعضهم بما ورد في خطبة همام ووصف علي عليه السلام المتقين فخر همام مغشيا عليه فحركوه فإذا هو ميت فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما والله لقد كنت أخافها عليه هكذا تصنع المواضع البالغة بأهلها (2).
والجواب أيضا واضح لما مر مع أنه لا يمكن القول بأن من تأثر كهمام أفضل ممن لم يتأثر كأمير المؤمنين عليه السلام بل معلوم أن الأمر بالعكس وأن الموت بسبب ذلك إما اتفاقي أو لغلبة الخوف والحزن وعدم الصبر.
وقوله: أما لقد كنت أخافها عليه يدل على المرجوحية وإلا لم يكن للخوف معنى بل هو مقام الرجاء مع أن فعل همام ليس بحجة لعدم عصمته ولا تقرير هنا لمفاجآت الموت له على أن فاطمة عليها السلام وهماما لم يفعلوا شيئا مما أنكرناه هنا ولولا ذكرهم لمثل هذا لما حسن التعرض له والله يعلم.