فركبنا دوابنا منصرفين وقد سبقنا بريد هشام إلى عامل مدين في طريقنا إلى المدينة يذكر له أن ابن أبي تراب الساحر محمد بن على وابنه جعفر الكذابين - بل هو الكذاب لعنه الله - فيما يظهران من الإسلام قد وردا على، فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان وتقربا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال بهما لقرابتهما فإذا مر بانصرافهما عليكم، فليناد في الناس برئت الذمة ممن بايعهما وشاراهما وصافحهما وسلم عليهما ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام.
فلما ورد البريد إلى مدين وشارفناها بعده قدم أبي غلمانه ليشتروا لدوابنا علفا ولنا طعاما فلما قربوا من المدينة أغلق أهلها الباب في وجوههم وشتموهم وذكروا بالشتم عليا وقالوا لهم لا نزول لكم عندنا ولا بيع ولا شراء فأنتم كفار مشركون.
فوقف غلماننا إلى الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ولين لهم القول، قال: اتقوا الله فلسنا كما بلغكم فأجابوه بمثل ما أجابوا الغلمان.
فقال لهم أبي: هبونا كما قلتم فافتحوا الباب وبايعونا كما تبايعون اليهود والنصارى والمجوس.
فقالوا: أنتم أشر منهم لأن هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم لا تؤدون.
فقال لهم أبي: إفتحوا الباب وخذوا منا الجزية كما تأخذونها منهم.
فقالوا: لا نفتح ولا كرامة حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا وتموت دوابكم تحتكم.
فوعظهم أبي فازدادوا عتوا فثنى أبي رجله عن سرجه وقال لي مكانك يا جعفر لا تبرح فصعد الجبل المطل على مدينة مدين وهم ينظرون ما يصنع فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة ووضع إصبعيه في أذنيه ونادى (و إلى مدين أخاهم