متسلحين وقد نصب البرجاس حذاءه وأشياخ قومه يرمون.
فلما دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلا، فقال لأبي: يا أبا جعفر لو رميت مع أشياخ قومك الغرض وإنما أراد أن يضحك بأبي ظنا منه أنه يقصر، فلا يصيب الغرض لكبر سنه فيشتفي منه فاعتذر أبي وقال: إني قد كبرت فإن رأيت أن تعفيني فلم يقبل وقال: لا والذي أعزنا بدينه ونبيه، ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك فتناولها منه أبي وتناول منه الكنانة فوضع سهما في كبد القوس فرمى وسط الغرض فأثبته فيه، ثم رمى الثاني فشق فوق السهم الأول إلى نصله، ثم تابع حتى شق تسعة أسهم، فصار بعضها في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر فأنت أرمى العرب والعجم زعمت أنك قد كبرت كلا، ثم ندم على مقالته وتكنيته له.
وكان من تكبره لا يكني أحدا في خلافته، فأطرق إطراقة يرتئي فيه رأيا وأبي، واقف إزاءه ومواجه له وأنا وراء أبي فلما طال الوقوف غضب أبي وكان إذا نظر السماء نظر غضبان يتبين الغضب في وجهه فلما نظر هشام ذلك من أبي قال: إصعد يا محمد فصعد أبي السرير وصعدت فلما دنا من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي وأقبل على أبي بوجهه وقال:
يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ولله درك من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته فقال أبي: قد علمت أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي، ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت إليه فقال:
ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت وما ظننت أن أحدا في أهل الأرض يرمي مثل هذا فأين رمي جعفر من رميك؟
فقال: إنا نتوارث الكمال والتمام والدين إذ أنزل الله تعالى على نبيه قوله (اليوم