سفها وقلة علم؛ ووبخه بما أراد أن يوبخه فلما سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه حتى انقضى آخرهم، فلما سكت القوم نهض (عليه السلام) قائما، ثم قال:
أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل، فإن لنا ملكا مؤجلا وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة يقول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين (1)) فأمر به إلى الحبس فلما صار إلى الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحن إليه، فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال:
يا أمير المؤمنين إني خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا، ثم أخبره بخبره، فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة وأمر أن لا يخرج لهم الأسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدين، فأغلق باب المدينة دونهم فشكا أصحابه الجوع والعطش، قال: فصعد جبلا ليشرف عليهم، فقال بأعلى صوته:
يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقية الله، يقول الله: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) (2) قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم: يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبي والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصدقوني في هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون فإني لكم ناصح.
قال: فبادروا فأخرجوا إلى محمد بن علي وأصحابه بالأسواق، فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ فبعث إليه فحمله فلم يدر ما صنع به. (3)