بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل تقدمهم وتأمرهم بالقتال، فلما رأتني قالت:
إلى إلى يا بن عباس، لقد اجترأتم علي في الدنيا تؤذونني مرة بعد اخرى، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب.
فقلت: وا سوأتاه! يوم على بغل، ويوم على جمل، تريدين أن تطفئ فيه نور الله، وتقاتلي أولياء الله، وتحولي بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين حبيبه أن يدفن معه، ارجعي فقد كفى الله (تعالى) المؤنة، ودفن الحسن إلى جنب أمه، فلم يزدد من الله (تعالى) إلا قربا، وما ازددتم منه والله إلا بعدا، يا سوأتاه! انصرفي فقد رأيت ما سرك.
قال: فقطبت في وجهي، ونادت بأعلى صوتها: أما نسيتم الجمل يا بن عباس، إنكم لذووا أحقاد. فقلت: أما والله ما نسيه أهل السماء، فكيف ينساه أهل الأرض؟!
فانصرفت وهي تقول:
فألقت عصاها فاستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر (1) [731] - 13 - روى الراوندي:
فلما غسله وكفنه الحسين (عليه السلام) حمله على سريره، وتوجه به إلى قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليجدد به عهدا، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أمية فقال:
أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي؟ لا يكون ذلك أبدا. ولحقت عائشة على بغل وهي تقول: مالي ولكم [يا بني هاشم]؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب.
فقال ابن عباس لمروان: انصرفوا، لا نريد دفن صاحبنا عند رسول الله، فإنه كان أعلم [وأعرف] بحرمة قبر [جده] رسول الله من أن يطرق عليه هدما، كما يطرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير إذنه، انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصى.
ثم قال لعائشة: وا سوأتاه يوما على بغل، ويوما على جمل.
وفي رواية يوما تجملت، ويوما تبغلت، وإن عشت تفيلت.
فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال: