في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ثم غطوها بخص رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص، وكان ذلك على طريق على الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه.
فلما بلغ علي (عليه السلام) قرب المكان لوى فرسه عنقه وأطاله الله فبلغت جحفلته أذنيه، وقال: يا أمير المؤمنين، قد حفر لك هاهنا ودبر عليك الحتف وأنت أعلم، لا تمر فيه، فقال له علي (عليه السلام): جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر تدبيري، وأن الله عزوجل لا يخليك من صنعه الجميل. وسار حتى شارف المكان فوقف الفرس خوفا من المرور على المكان. فقال علي (عليه السلام): سر بإذن الله سالما سويا عجيبا شأنك بديعا أمرك، فتبادرت الدابة، فإن الله عزوجل قد متن الأرض وصلبها كأنها لم تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض، فلما جاوزها علي (عليه السلام) لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته على أذنه ثم قال: ما أكرمك على رب العالمين، أجازك على هذا المكان الخاوي فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): جازاك الله بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتنى بها. (1) [498] - 8 - قال المسعودي:
إن العباس رضى الله عنه صار إلى أمير المؤمنين وقد قبض رسول الله فقال: أمدد يديك أبايعك، فقال: ومن يطلب هذا الأمر ومن يصلح له غيرنا وصار إليه ناس من المسلمين فيهم الزبير وأبو سفيان صخر بن حرب فأبى واختلف المهاجرون والأنصار، فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال قوم من المهاجرين: سمعنا رسول الله يقول الخلافة في قريش فسلمت الأنصار لقريش بعد أن ديس سعد بن عبادة ووطئوا بطنه وبايع عمر بن الخطاب أبا بكر وصفق على يديه ثم بايعه قوم ممن قدم المدينة ذلك الوقت من الأعراب والمؤلفة قلوبهم وتابعهم على ذلك غيرهم واتصل الخبر بأمير المؤمنين بعد فراغه من غسل رسول الله وتحنيطه وتكفينه