ما سبق فيه من علم الله عزوجل فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الأمور وتخيروا الأحكام والآراء وتركوا المصاحف وما دعوا إليه من حكم القرآن، وما كنت أحكم في دين الله أحدا إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لاشك فيه ولا امتراء، فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه وعقله وأثق بنصيحته ومودته ودينه. وأقبلت لا اسمى أحدا إلا امتنع منه ابن هند ولا أدعوه إلى شئ من الحق إلا أدبر عنه، وأقبل هند يسومنا عسفا، وما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك فلما أبوا إلا غلبتى على التحكم تبرأت إلى الله عزوجل منهم وفوضت ذلك إليهم فقلدوه أمرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض وغربها، وأظهر المخدوع عليها ندما. ثم أقبل (عليه السلام) على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال (عليه السلام):
واما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان عهد إلى أن اقاتل في آخر الزمان من أيامى قوما من أصحابي يصومون النهار ويقومون الليل ويتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم علي ومحاربتهم إياى من الدين مروق السهم من الرمية، فيهم ذو الثدية يختم لي بقتلهم بالسعادة فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعنى بعد الحكمين أقبل بعض القوم على بعض باللأئمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يبايع من أخطأ وأن يقضى بحقيقة رأيه على قتل نفسه وقتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا وطاعته لنا في الخطأ، وأحل لنا بذلك قتله وسفك دمه، فتجمعوا على ذلك وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم: لأحكم إلا لله، ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة وأخرى بحروراء وأخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتى عبرت دجلة، فلم تمر بمسلم إلا امتحنته، فمن تابعها استحيته، ومن خالفها قتلته، فخرجت إلى الاوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عزوجل والرجوع إليه فأبيا إلا السيف لا يقنعهما غير ذلك، فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عزوجل فقتل الله هذه وهذه وكانوا - يا أخا اليهود - لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا وسدا منيعا،