في خضم تلك الظروف الحساسة التي كان الجهاز الحاكم يعالج بها أوضاعه لتوطيد سلطانه، وفي ظلال الهدوء الذي ساد المدينة ومكة، نتيجة توقف الانتفاضات والثورات بعد قبول الإمام الرضا (عليه السلام) لولاية العهد، بدأ الإمام الجواد (عليه السلام) يمارس مهامه القيادية للأمة في توجهاتها الدينية والفكرية.
وهكذا فقد شغل الصبي الوصي، والوريث الوحيد لأبيه الرضا (عليه السلام) منصب الإمامة منذ اللحظة التي توفي فيها الإمام الرضا (عليه السلام).. فما أن وافى نبأ شهادة الإمام أبي الحسن (عليه السلام) أهالي المدينة (1) حتى هرعوا إلى أبي جعفر الجواد (عليه السلام) يعزونه مصابه، ويشاركونه الأسى، وأخذت الوفود تقصده من بقية المناطق، وتتقاطر عليه مسلمة ورافعة إليه التعازي، وهي منبهرة بإمامة ابن سبع سنين، خاصة وأنه (عليه السلام) كان يستهوي الجماهير وشيعته بحسن منطقه، ويستجلب انتباههم بإجاباته العلمية الدقيقة وما يحمله من علوم ومعارف، الأمر الذي لم يعهده أحد من قبل لا من الشيعة ولا من غيرهم؛ لذا فقد أضحى حديث أبي جعفر الثاني (عليه السلام) يطغى على الساحة، وأخذ حديث إمامته ونبوغه يسري شيئا فشيئا إلى مختلف أقطار الدولة الإسلامية، بعد أن أصبح حديث الناس عامة في مكة والمدينة وبغداد والكوفة.