وفي مناورة سياسية حاذقة دبرها المأمون مع وزيره الفضل بن سهل، رأى أن يسلم الخلافة للإمام الرضا (عليه السلام) فأبى عليه الإمام إباء شديدا، فأصر عليه المأمون قبول ولاية العهد. وأحس الإمام بالمناورة وأهدافها البعيدة، فقبل ذلك بشروط رآها (عليه السلام) تحقق المصلحة العامة، على الأقل في مرحلته الراهنة.
ولم تمر سنة ونصف على جلوس الإمام الرضا (عليه السلام) في ولاية العهد، كان خلالها المأمون يتحين الفرصة السانحة للقضاء عليه دون أن يشعر أحد بذلك، ودون أن توجه إليه أصابع الاتهام، ويسخط عليه الرأي العام.
وفعلا فقد نجح الداهية اللعين في مسعاه ذلك، وقضى على أفضل رجل على وجه الأرض، كما عبر هو بذلك عنه (1).
ثم بعد أن استراح من تصفية أعظم وأقوى شخصية دينية واجتماعية وسياسية، كانت تقض مضجعه، وهو متوجه في طريقه إلى بغداد، للقضاء على التمرد الذي حدث فيها، من قبل العباسيين الناقمين والحاقدين عليه لمقتل الأمين وتنصيبه للرضا (عليه السلام) وليا للعهد، مع حقدهم على آل أبي طالب، واستبداله لبس الخضرة بدل السواد شعار العباسيين التقليدي. فقد كان العباسيون أن أعلنوا الانفصال في بغداد، وبايعوا إبراهيم الخليع الماجن خليفة عليهم، وتبعه الغوغاء من الناس، وأهل المجون والطرب.
وقبل دخول المأمون بغداد في المحرم من سنة (204 ه / 818 م) هرب إبراهيم وأعوانه مختفين في بغداد مدة طويلة، يطاردهم الخوف والرعب من سطوة المأمون، وبعد دخوله بغداد واستتباب الأمن فيها، بدأ بإنشاء قصور جديدة له ولوزرائه وقواده، وأخذ في تنظيم عاصمة الخلافة من جديد.