فبرزت النبكة الأخرى، وأمر بالحفر في الصدر فاستمر الحفر.
فلما فرغت منه وضعت يدي إلى أسفل القبر وتكلمت بالكلمات، فنبع الماء وظهرت السميكات، ففتت لها كسرة [من الخبز] فأكلت ثم ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلها وغابت، فوضعت يدي على الماء وأعدت الكلمات فنضب الماء كله، وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي فلم أذكر منها حرفا واحدا.
فقال المأمون: يا أبا الصلت الرضا (عليه السلام) أمرك بهذا؟ قلت: نعم، قال: ما زال الرضا (عليه السلام) يرينا العجائب في حياته ثم أراناها بعد وفاته.
فقال لوزيره: ما هذا؟ قال: ألهمت أنه ضرب لكم مثلا بأنكم تمتعون في الدنيا قليلا مثل هذه السميكات ثم يخرج واحد منهم فيهلككم.
فلما دفن (عليه السلام) قال لي المأمون: علمني الكلمات، قلت: قد والله انتزعت من قلبي فما أذكر منها كلمة واحدة [أو] حرفا، و (1) بالله لقد صدقته فلم يصدقني، وتوعدني القتل إن لم أعلمه إياها، وأمر بي إلى الحبس، فكان في كل يوم يدعوني إلى القتل أو أعلمه ذلك، فأحلف له مرة بعد أخرى كذلك سنة.
فضاق صدري فقمت ليلة جمعة فاغتسلت وأحييتها راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا إلى الله في خلاصي فلما صليت الفجر إذا أبو جعفر بن الرضا (عليهما السلام) قد دخل إلي وقال: " يا أبا الصلت قد ضاق صدرك؟ " قلت: إي والله يا مولاي قال:
" أما لو فعلت قبل هذا ما فعلته الليلة لكان الله قد خلصك كما يخلصك الساعة ".
ثم قال: " قم "! قلت: إلى أين والحراس على باب السجن، والمشاعل بين أيديهم؟! قال: " قم، فإنهم لا يرونك ولا تلتقي معهم بعد يومك "، فأخذ بيدي